أجزم بأن مستوى العمل فى الجهاز الإدارى للدولة يرضى عدوا ولا يرضى حبيبا، وأجزم بأنه لا يوجد مصرى واحد إلا وتسببت له المصالح الحكومية فى موجة أو موجات من الإحباط واليأس، وأجزم بأن النظام الإدارى فى مصر من أحط الأنظمة وأكثرها فجاجة ورخاوة وتصلب، فجميع من فى مصر يعرف أن الاقتراب من المؤسسات الحكومية يعنى فيما يعنيه عمرا ضائعا ودما محروقا وضغط دم مرتفعا، وللأسف حينما وضعت القوانين المنظمة للعمل فى مصر، افترضت أن الضمير شىء أساسى فى تكوين الإنسان، وأن القاعدة هى أن يعمل العاملون فى أماكن عملهم، لكنهم لم يحسبوا حسابا لليوم الذى يغيب فيه الضمير، ويتحول لقاؤك بموظف يعمل إلى مفاجأة سعيدة وغير متوقعة. جميعنا يعرف هذا جيدا، وللأسف فقد غابت فكرة إصلاح الجهاز الإدارى للدولة عن الأذهان لعقود طويلة، ولم يجرؤ أحد على المساس بهذه المشكلة المتفاقمة، نظرا لحساسيتها وتماسها مع مصير ملايين المصريين العاملين فى الدولة، فلو فرضنا كل موظف يعول اثنين فقط من أهله، فإن النتيجة هى أن هناك 20 مليون مصرى سيتأثرون إذا ما وقع ضرر على الـ7 ملايين موظف فى الجهاز الإدارى للدولة، ولهذا كان من الضرورى أن تتقدم الحكومة بقانون «الخدمة المدنية» الذى علقت عليه آمالا عريضة من أجل إصلاح مصر، وللأسف فقد تم تقديم هذا القانون إلى المصريين بطريقة سيئة زادت من اعتراض الناس عليه، فى الوقت الذى يجمع فيه غالبية الخبراء على جودته وفعاليته وقدرته على إكساب الجهاز الإدارى للدولة حيوية ضرورية، وبناء على هذه السمعة السيئة رفض البرلمان المصرى إقرار القانون، وهو الأمر الذى أوقع الحكومة فى حيرة كبيرة، لأنها كانت تعول عليه بشكل كبير، وللأسف أيضا فإن مجلس النواب لم يبد ملاحظاته على القانون، ولم يبرر أعضاء مجلس النواب للشعب أو للحكومة هذا الرفض، وهو ما أعطى انطباعا بأنه رفض من أجل الرفض وهذا شىء كفيل بالحكم على البرلمان بأنه برلمان غوغائى لا يتبنى القرارات بناء على قناعات، وإنما بناء على الفقاعات. هنا يجب أن يدافع البرلمان عن نفسه بأن يدفع عنه صفة الغوغائية، وأن يضع فى أولوياته تقديم مشروع قانون جديد لإصلاح الجهاز الإدارى للدولة، ليستفيد من كل مميزات القانون المرفوض، ويضيف إليه ما يريده الناس ويحذف منه ما لم يرض عنه الناس، ليس وفقا للأهواء المتذبذبة ولا وفقا للمصالح الفئوية الضيقة، وإنما وفقا للمبادئ الدستورية المعترف بها عالميا، التى تبتغى تحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع، وهو ما يجب أن يسود بين موظفى الدولة، وهو أيضا ما يجب أن يراعيه نواب الشعب، وليس العكس.