الثورة لا تحمى اليائسين
ليقل من يريد ما يريد، لكن 25 يناير أنهت إلى الأبد حكم الفرد، وقدمت فى مرتين درسا بـ«ألا أحد فوق الجميع». منحت أملا لمن يئسوا. وحول هذا فليختلف المختلفون. وبعد الثورات تأتى إجراءات مؤلمة يخففها أن يكون هناك من يعرف الهدف، وكيف يدير حوارا بين المختلفين. أكبر من شهادات «كنت هناك».
والإعجاب بالمشهد، والرد على المنتقدين بعنف، ينشر بعض اليأس وكثير من الحنين. لا أحد يقول كيف وماذا ولماذا.. لا مراجعة ولا أمل. مع أن الثورة فى الأصل تبشير بالأمل. وطمأنة للناس بأن الآلام مؤقتة. مشهد 25 يناير متوقف عند 18 يوما، حالة عاطفية وإنسانية لا تنفى حقيقة أن «البشر مختلفون». كثيرون من الذين خرجوا فى يناير لم يحسبوها وكان هناك من يحسبها.
والثورات لا تحمى «المنبهرين ولا اليائسين». الثورة أكبر من بوستات، وشهادات عن عالم مثالى عاطفى. والاختلافات والتفاصيل يسكنها الشيطان والانتهازيون. لا أحد يريد الاعتراف بأن كثيرا من الكذابين لمعوا واحتلوا الصورة بلا حق. الثورة فعل اضطرارى مؤلم تتبعه، آلام الدواء المر والجراحات الصعبة.
يحتاج إلى يقظة وتركيز وأفكار ومبادارت وابتكارات ومصارحة وأحيانا بعض التنازلات من أجل التكتيك والأهداف. وكل هذا بعد حالة البهجة والفرح.
اليوم نرى شهادات كئيبة، فى عالم افتراضى، أصحابها يخاطبون أنفسهم وبعضهم ويعجبون ببعضهم نافدى الصبر يائسين بينما التغيير أمل ، وليس مجرد مذكرات فى رحلة «للميدان».. بعض من شاركوا بصدق، لم يحسبوها بالأرقام والأرباح.
وظلوا أفرادا، من دون حزب أو برنامج. مع أقلية ظلت تعبد صورتها فى التليفزيون ، كل منهم يقول إنه فعلها، لكنه لم يقل أبدا «كيف ؟».
عشرات الآلاف شاركوا وتفرقوا بعضهم بقى والبعض يأس أو هرب أو اندمج مع السلطة فى البداية أو النهاية، بعض من عينوا أنفسهم متحدثين باسم الثورة، احتلوا الصدارة بلا مؤهلات ولا تضحيات غير الرحلة والصورة.
كل هذا سهل ضياعها أول مرة. ترك الناس من اعتقدوا أنهم «ناس بتفهم، وبيتكلموا كويس» فى كل شىء، أفرطوا فى الوعود وانجرفوا خلف ضجيج صوتى.
لا الكبار قدموا شيئا ولا الزعماء الشباب تجاوزوا حالة إعجاب العالم بهم وإعجابهم بأنفسهم. الأمر بحاجة لأفكار ومبادرات، والسياسة غير الميدان، ومهما طال الصراع يجلس الجميع ليبدأوا السياسة، والسعى السلمى، بعيدا عن التنابذ بالاتهامات.
بعض معارضى الماضى مازالوا يمارسون دور «قدماء المعارضين» يكررون نفس العبارات، ويطالبون بالتجديد من دون أن يجددوا، يتهمون الشعب بأنه لا يفهم، ويرون أنفسهم حكماءً عباقرة. بلا «أمارة». الأمر أكثر من انتقاد يناير أو تقديسها، يحتاج إلى الأمل. والمجد لهؤلاء الذين لا يقولون «المجد لفلان وعلان».. واستعادة الأمل المسلوب فى أهمية استعادة الأموال المنهوبة. كل التجارب الناجحة من روسيا والصين لجنوب أفريقيا ومن كوبا لأوروبا، تقول إن الواقع لا يتوقف عن الحركة، بشرط التمسك بالأمل.