رفض صيغة «الرئيس».. و«الأمين العام»
أواصل ما بدأته قبل أيام حول «الحزب الناصرى» فى ضوء قيادته الجديدة برئاسة المناضل سيد عبدالغنى، بحثًا عن مدى إمكانية نهوض هذا الحزب من كبوته، وتناولت فى الأيام الماضية بدايات نشأة الحزب بحكم قضائى صدر عام 1992، أى أننا أمام حزب عمره 24 عاما، وهى سنوات مرت فى تاريخنا وحملت معها تغيرات كثيرة، فهل يكون الحزب فى ثوبه الجديد على إدراك بهذه المتغيرات؟
للوصول إلى الإجابة عن سؤالى، أركن إلى تفاصيل مرحلة التأسيس، كنوع من التذكير قد يدفع إلى إعادة قراءة الماضى للفائدة، واستكمالاً لما ذكرته فى الأيام الماضية، أقول:
بعد الانتهاء من الانتخابات الداخلية للحزب فى كل المحافظات، انعقد المؤتمر العام فى قاعة المؤتمرات بمدينة نصر، بمشاركة تزيد على الألف عضو تقريبا، وبحضور شخصيات عربية، واهتمام وسائل الإعلام العربية والعالمية، وكان لاختيار قاعة المؤتمرات دلالة، فهى من وجهة نظر قيادات الحزب ممن عملوا بجوار جمال عبدالناصر، المكان الطبيعى واللائق لحزب سيكون رقما صعبا فى الحياة السياسية المصرية، وبعضهم قال مثلا: «هو الحزب الناصرى ومن الطبيعى أن يعقد مؤتمره فى قاعة المؤتمرات، وإذا لم يكن هذا هو المكان فأين يكون غيره؟».
قبل بدء فعاليات المؤتمر طرح مجموعة من الشباب اسم حمدين صباحى أمينا عاما، وذلك وفق صيغة تقوم على أن تكون قيادة الحزب عبارة عن رئيس وأمين عام، ويشغل ضياء الدين داود موقع الرئيس، وحمدين موقع الأمين العام، واستند الذين طرحوا هذه الفكرة إلى أن تكون القيادة ممثلة للتنوع الجيلى، فضياء من رجال دولة عبدالناصر، وحمدين رمز لجيل السبعينيات فى الجامعات المصرية الذى حمل شعلة الفكر الناصرى فى الوقت الذى كان فيه رجال دولة عبدالناصر فى السجون ينفذون أحكاما ضدهم فى قضية 15 مايو 1971.
قوبل اقتراح وجود منصب أمين عام برفض شديد من القيادات المحسوبة على دولة عبدالناصر، ومعهم مجموعات أخرى تكونت منذ سنوات السبعينيات، ودارت معركة ساخنة من المناقشات داخل المؤتمر حول هذا الاقتراح، وبدا من سير المناقشات وكذلك قبل انعقاد المؤتمر أن هناك اصطفافا «ضد» و«مع»، ومورست التربيطات والإغراءات لإجهاض هذا الاقتراح، وتم نسج الأكاذيب حول من يقفون وراءه، ويمكن القول إن هذا الاقتراح تحديدا والمناقشات التى دارت حوله حملت بدايات غير مبشرة داخل الحزب، فلم تتم إدارة الأمر بخيال سياسى يرمى إلى المستقبل، وتم الحشد ضد الاقتراح بطريقة «تعبئة المعارك»، وإثارة هذا ضد ذاك، كما كان اللافت فى تكوين «صف الضد» أنه من مشارب شتى، وبعضهم كانوا على خلافات سابقة وتواصلت لاحقا، لكنها اجتمعت على رفض اقتراح منصب «الأمين العام»، لأن حمدين هو المرشح له ليس أكثر من ذلك.
انتهى المؤتمر العام بانتخاب لجنة مركزية وأمانة عامة ومكتب سياسى، وبعدها بدأت حرب الاستنزاف، ويمكن القول إنها كانت الكبرى فى الحياة الحزبية المصرية، فكل الأسماء والرموز الكبيرة التى ذكرتها فى مقالى الأول فى هذه السلسلة بدأت فى هجرة الحزب، واللافت أن هناك من كان يطير فرحا بهذا، إلى درجة القول فى كل مرة يخرج فيها أحد: «الحزب يعيش فى أفضل حالاته»، وعلينا أن نتصور مدى دلالة هذا القول، فهو بالضبط كان نقطة التقاء بين نظام مبارك بذراعه الأمنية، وبعض قيادات داخل الحزب امتلكت ناصية التأثير فيه بشكل خفى، ومما يؤكد ذلك فشل كل المبادرات التى طرحتها أطراف عربية من أجل تقريب وجهات النظر بين الجميع.. يتبع.