الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 09:19 ص
محمود حسن

محمود حسن

الأستاذ "متحمس" و"قوات شتاينر"

2/7/2016 2:32:29 PM
فى كتابه "سنة ثالثة سجن"، يحكى الكاتب الصحفى الكبير مصطفى أمين، أن عبد اللطيف بغدادى عضو مجلس قيادة الثورة، قابل عبد الناصر قبل الخامس من يونيو 1967 بأيام، وأبلغه بأن تقارير استراتيجية هامة وصلته، تقول إنه حال قيام حرب بين مصر وإسرائيل فإن نسبة فوز إسرائيل بتلك الحرب تزيد عن 80%، وأسهب فى شرح نقاط الضعف والمشاكل التى يعانى منها جيشنا، ونقاط تفوق جيش العدو الصهيونى، استمع حتى انتهى البغدادى من حديثه، ثم رمق عبد اللطيف بغدادى بنظرة غاضبة قائلًا: "قول للى كتب التقرير ده ** أمك".

تذكرت هذه القصة صباح اليوم، رغم أننى قرأت الكتاب منذ أكثر من 15 عامًا، تذكرتها فور أن تلقيت نظرة غاضبة من الأستاذ "متحمس" هذا الصباح، والسبب ببساطة أن التلفاز بجانبى كان يذيع أغنية وطنية "ركيكة"، و"رديئة"، تم إخراجها بطريقة منافقة ومتملقة، فارتكبت الخطأ الشنيع بأننى خفضت صوت التلفاز!، فتلقيت نظرة الغضب إياها من الأستاذ "متحمس".

والأستاذ "متحمس" عزيزى القارئ ليس شخصًا بغيضًا كما يصلك الانطباع الأول فور قراءة تلك الكلمات، بل هو شخص لطيف وطيب، لكن مشكلته أنه "متحمس"، والحماس طائش كما علمنا التاريخ، طائش لأن حماس عبد الناصر دفعنا إلى حرب - لم يكن لها مبرر فى حقيقة الأمر فى ذلك الوقت – وخسرنا خسارة ندفع ثمنها إلى اليوم.

متلازمة "متحمس" فى الحقيقة هى متلازمة تستشرى حولنا بشكل مرعب ومخيف، لأن الحماس إذا اشتعل أحرق العقل.. ربنا يحمينا ويحميك من شر احتراق العقل يا أستاذ "متحمس".

تعالى أحكى لك حكاية يا أستاذ "متحمس"، فبينما كانت الجيوش السوفيتية تقترب من ألمانيا شرقًا، والجيوش الغربية تقترب من ألمانيا غربًا لتبدأ حصارها المريع على ألمانيا فى ربيع عام 1945، كان كل من حول هتلر يحاول إخباره أن الوضع آخذ فى التردى وأنه ومن الأفضل إعلان الاستسلام، حتى لا تدمر ألمانيا، رفض هتلر هذا وبشدة، قائلًا إن "قوات الجنرال فليكس شتاينر" سيتقدم من جبهة روسيا البيضاء لفك الحصار، وصمت قادة هتلر جميعًا!، صمتوا رغم أنهم يعلمون وعلى رأسهم هتلر كان يدرك أن قوات النخبة المعروفة بـ"جيش شتاينر" كانت قد تم تدميرها تمامًا على جبهة روسيا البيضاء ولم يعد لها وجود، وأنها صارت حطامًا.

عزيزى "متحمس".. أسمح لى أن أخبرك ما يلى: الأغنية ركيكة ورديئة وإخراجها سىء ومتملق ومنافق، "سبوبة يعنى من الآخر" ولو كانت الوطنية وحب البلاد أن نغنى أغانى ركيكة لكان شعبان عبد الرحيم أكثر المصريين وطنية، ولكنت قد كتبت لك كل يوم أغنية ركيكة لأكون وطنيًا مرضيًا عنى.

عزيزى "متحمس"، الدولة ترتكب أخطاءً فادحة، بداية من سياسات اقتصادية وسياسية خاطئة، ونهاية بالأغنية التى لم تعجبنى، وليس من حقك أو حق أحد من "المتحمسين" الآخرين إخراسنا، أو إسكاتنا، لأننا نعيش معكم على ذات السفينة، التى إن غرقت هلكنا جميعًا، عزيزى "متحمس".. الحماس يحرق العقول، لو استمع عبد الناصر إلى التقرير وأرجأ تصعيده غير المبرر مع إسرائيل بإغلاق خليج العقبة فى مايو 1967، لربما لم ينهزم، ولربما خاض حربًا أخرى بعد أن أصبحت قواته مستعدة، ولربما تغير التاريخ، لو كان هتلر لم يعمه الحماس عن خسارة "جيش شتاينر" لربما أدرك الهزيمة مبكرًا، واستطاع حماية ألمانيا من خراب كبير، أقله كان قد منع اغتصاب أكثر من 100 ألف امرأة من نساء برلين على يد الجيش الأحمر السوفيتى.

لكن كما علمنى أبى.. "لو حرف شعلقة فى الجو"، والدرس الوحيد الذى يمكن أن نستفيده يا عزيزى "متحمس" من التاريخ.. أن لا أحد يستفيد من دروس التاريخ.

print