جاءت المفاجأة بانسحاب داود من الاجتماع كان انعقاد اللجنة المركزية للحزب الناصرى فى مبنى تابع لاتحاد عمال مصر بالإسكندرية عام 1995 بمثابة المحطة التى قصمت ظهر الحزب، وبالرجوع إلى وقائعها بعين محايدة ستقودنا إلى فهم أكبر لطبيعة الحياة السياسية والحزبية وقتئذ، من حيث جمودها واستبدادها، ودوران العمل السياسى فى حلقة مفرغة، كما أنها جاءت بعد انتخابات مجلس الشعب التى لم يفز فيها الحزب بأى مقعد، بما فى ذلك خسارة ضياء الدين داود فى دائرته بدمياط، وكذلك خروج حمدين من جولة الإعادة، وجرى تزوير الانتخابات ضدهما، وخسر سامح عاشور فى ساقلتة بسوهاج رغم فوزه فى انتخابات 1990.
سبقت انعقاد اللجنة خلافات حادة حول جريدة «العربى» برئاسة تحرير محمود المراغى، حيث رأى فريق من الحزب أن الجريدة لا تعبر عن الخط الناصرى بما فيه الكفاية، وأنها لم تصل إلى الطموحات الكبيرة التى توقعها الناصريون وغيرهم، وللحقيقة فإن هذا الرأى قاله كثيرون، وكان الشاهد على ذلك أن أرقام توزيع الجريدة بدأت فى الانخفاض التدريجى.
م يكن حال الجريدة ضمن جدول أعمال اجتماعات اللجنة، لكن وبأغلبية الحضور تم وضعها كبند، ودارت المناقشات الساخنة، وفيها الصراع حول تفسير اللائحة حول أن رئيس الحزب وحده هو من يملك أحقية اختيار رئيس تحرير الجريدة، وتبنى سامح عاشور أن رئيس الحزب وحده هو من يملك هذا الحق، فى حين تبنى عصام الإسلامبولى تفسيرًا مختلفًا، وامتد الأمر إلى بنود لائحية أخرى، وفيما كان «عاشور» يتخذ موقف التأييد فى كل شىء لرؤية ضياء الدين داود، كان الاسلامبولى يرد، وفى ردوده حذر مما أسماه بالالتفاف والنفاق.
وانتهت المناقشات إلى طرح القضية للتصويت، وخسرت الجبهة التى يقودها «داود» ومعه أحمد حسن، وكان ذلك يعنى طرح بقاء محمود المراغى فى رئاسة تحرير الجريدة، وهذا يعنى تنفيذ مطلب جبهة واسعة مضادة لـ«داود». جاءت المفاجأة التى لم يتوقعها أحد فى إعلان ضياء الدين داود انسحابه من الاجتماع، وكانت خطوة بمثابة «ضرب كرسى فى الكلوب»، وانسحب معه عشرات الأنصار، وأمام هذا الفعل جرى تصويت على استمرار الاجتماع من عدمه، وصوتت الأغلبية على الاستمرار، وقرروا إقالة «المراغى» وتكليف عبدالله السناوى برئاسة تحرير الجريدة.
وفى مساء اليوم نفسه قرر ضياء الدين داود تجميد عضوية أربعة من أبرز قيادات الحزب، وأعضاء الأمانة العامة، وكانوا مشاركين فى الاجتماع، هم حمدين صباحى، وأمين إسكندر، والدكتور صلاح الدين الدسوقى، وعلى عبدالحميد.
فى كواليس الاجتماع جرت تفاصيل كثيرة مورست فيها أكاذيب مخجلة، كالقول بأن الفريق الذى يريد إقالة المراغى ينفذ تعليمات من الرئيس الليبى معمر القذافى، وللأسف كان ضياء الدين داود يردد هذا الكلام بنفسه، وزاد هؤلاء بذكر قصص من الخيال عن لقاءات لإبرام هذا اللقاء.
فى اليوم التالى لقرار «داود» بالتجميد جرى أغرب فعل قاده أحمد حسن وآخرون، حيث قاموا بتشكيل حراسة على الحزب من أعضاء فى المحافظات، خوفًا من الاستيلاء عليه، وتم تحرير مذكرة تأييد لضياء الدين داود، أذكر أن بعض الموقعين عليها لم يكتفوا بالتوقيع عليها، بل قاموا بسب المعارضين، وكتابة تعبيرات مثل «لا تصالح»، و«الطرد ثم الطرد»، وبقدر ما عبرت هذه الكلمات عن حماس أجوف، بقدر ما أكدت أن الحزب فى طريقه إلى النفق المظلم بأيدى قياداته، واللافت أن الذين كانوا يهللون فرحًا فى كل كارثة بالقول إن «الحزب يعيش أحسن حالاته»، جددوا القول نفسه فى هذه الأزمة.