مثل كثير من المسرحيات الهزلية، عشنا قبل أيام معركة تمرير البرلمان لقانون الخدمة المدنية، تلك الأزمة التى شهدت "شد وجذب" بين الحكومة التى تريد تمرير القانون، ونواب يرفضونه بسبب السخط الشعبى الذى لاقاه القانون من قطاع الموظفين فى الجهاز الإدارى للدولة، إلى هذا الحد نستطيع أن نعتبر الأمور طبيعية بين الحكومة ومن اختارهم الشعب ليكونوا صوته فى البرلمان، ليشرعون ما ينفعه من قوانين، ويرفضون ما يضره، ويعملون لأجله.
بدأت معركة قانون الخدمة المدنية وانتهت إلى رفضه من أغلبية النواب، غير أن هناك مفارقة عجيبة لا تحدث إلا فى بلادنا ومع نوابنا، تمثلت فى حصول زملاء بموقع "برلمانى" على مضبطة الجلسات، والتى كشفت عن مفارقات حصرية لبلاد العجائب، تمثلت فى موافقة بعض نواب الشعب على تمرير قانون الخدمة المدنية عند التصويت عليه، بينما هم أنفسهم بذات أنفسهم كانوا قد ملوؤا شاشات الفضائيات وأوراق الصحف ضجيجا قبل موعد التصويت عن كارثية القانون، وكيف أنه مجحف لا يراعى الشعب المطحون ويهدر حقوق العمال، ويفعل ما لم تفعله النكسة!.
فى فضيحة نواب الـ "لأ" من بره والـ "آه" من جوه، نستطيع أن نصف ما فعلوه بوصفه الدقيق، دون انتقاء للجمل، فنقول إن السادة نافقوا الشعب، وغازلوا الأصوات، ولم يمتلكون الحد الأدنى من الشجاعة الأدبية، ما يجعلهم يعكسون قناعاتهم بشأن القانون فى تصويتهم عليه، ويراعوا مصلحة الوطن والمواطن، غير أنهم كانوا أصغر من ذلك، فخرجوا للفضائيات يلعنون القانون، ثم عند التصويت عليه، أبدوا حنينا إليه، بدأ أمامى كحنين الموسيقار الكبير الراحل فريد الأطرش عندما غنى "تقول لا وأقول لا.. وتقول قلوبنا آه"!.
فى فضيحة نواب الـ "لا" من بره، درس مخز للغاية يفسر كيف أن هؤلاء المختارين من الشعب لا يراعون مصلحته ولا مصلحة الوطن، وإن كانوا يراعون إحداهما، فإنهم ينافقون الآخر، ومن المعلوم أن حب الأوطان شرف لا يمكن إخفاؤه – حال أنهم صوتوا بنعم لمصلحة الوطن-، وأن العمل لمصلحة الشعب لا يكون بنفاقه وإعلان مواقف على أنها لمصلحته ثم على أرض الواقع فعل عكس ذلك – وذلك حال أنهم كانوا يرون أن القانون يظلم الشعب وصوتوا بـ"نعم".
نواب الـ "آه" المستخبية حملوا فضيحة واحدة بموقفهم غير المستقيم، غير أن هناك من كانت فضيحته مزدوجة، وهو السيد النائب رئيس اتحاد عمال مصر، هذا الرجل الذى كشفت مضابط المجلس تصويته لصالح تمرير القانون، رغم إعلانه رفضه ، ودعوة عمال مصر لذلك، وإقناعهم أن القانون كارثى مجحف، يهضم حقوقهم، فساهم فى حشد كتلة كبيرة ترفض القانون، بينما هو يرى عكس ذلك، وهو ما انعكس على تصويته بـ"نعم" – حسب مضبطة الجلسات، لذا نسأل صوت العمال فى المجلس هل كنت ترى أن القانون ظالم فأقنعت العمال برفضه، لكنك وافقت عليه للإضرار بمصلحتهم، أم أنك كنت على قناعة أنه قانون جيد، فنافقت العمال برفضه فى العلن ثم وافقت عليه فى السر؟ وفى الحالتين كان موقفك أكثر من "بايخ ومخزى"، ببساطة لأنك لم تحمل الحد الأدنى من المسئولية تجاه منصب رئيس اتحاد العمال، الذى دخلت البرلمان للعمل لمصلحته فأضررت بها، أو فى أفضل الأحوال نافقت العمال.
فى فضيحة نواب الـ "لأ" التى تفيد علامة الرضا، نقول ثانية إن مصلحة الأوطان شرف لا يمكن إخفاؤه، وتمثيل الشعوب شرف لا يقابل بالنفاق واسترضاءهم بمعسول الحديث، ثم العمل عكس مصلحتهم فى السر لإرضاء الحكومات والحكام!.