هل الإضراب هو الحل؟.. الإضراب عن حق قررته جميع المواثيق الدولية، لكنه ليس حقًا مطلقًا، فهناك شروط له وقيود، كما أنه مقترن أيضًا بأهداف، إن تحققت يلغى الإضراب، وفوق كل ذلك يجب ألا يؤثر الإضراب على حياة المواطنين، خاصة فى المسائل الإنسانية، بمعنى أنه إذا ما قرر الأطباء على سبيل المثال الإضراب، فمن واجب المرضى أن يتلقوا علاجهم، بأن تخصص المستشفيات جزءًا من الأطباء لا يشملهم الإضراب حتى يستطيعوا تقديم العلاج لمن يحتاجون، وسبق أن تم تطبيق هذا الأمر فى مصر قبل عامين حينما قررت النقابة العامة للأطباء الإضراب لحين تطبيق الكادر الخاص بهم، لكن النقابة حددت تخصصات لا يشملها القرار حفاظًا على حياة المواطنين.
إذن يجب أن يكون الإضراب غير ضار بحياة الآخرين، وهى قاعدة عامة، إن لم تنص عليها المواثيق الدولية أو القوانين، أو لا يريد البعض أن يعترف بها، فإنها ضرورة إنسانية وأخلاقية يجب ألا نتغافلها أيًا كان سبب الإضراب.
قبل أسبوع نظم أطباء مستشفى المطرية التعليمى إضرابًا عن العمل إثر تعدى أمينى شرطة على زملائهم بالمستشفى، وأغلقوا أبواب المستشفى بالكامل أمام المرضى، دون أن يسمحوا لأحد بالدخول، حتى وإن كانت حالته حرجة، فالأطباء استندوا فى قرارهم إلى قرار نقابة الأطباء التى أكدت «وقوفها بكل قوة بجانب الأطباء، وحقهم فى الامتناع الاضطرارى عن العمل لحين اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه بلطجة أمناء الشرطة، وحماية المستشفى بشكل حقيقى».. نعم هذا ما حدث بالفعل، إغلاق مستشفى بالكامل بموافقة نقابة الأطباء ومباركتها، ودون اعتبار لأى معايير أخلاقية أو إنسانية.. المهم أن نحقق للأطباء مطالبهم، حتى وإن كان بعضهم لا يلبى للمواطنين احتياجاتهم، وحتى وإن كثيرًا من هؤلاء الأطباء لا يدخلون المستشفى إلا فى نهاية كل شهر ليحصل على الراتب. بالتوازى مع ما حدث فى المطرية، حاول ضباط وأمناء الشرطة تعطيل العمل فى قسم دار السلام للمطالبة بعودة مأمور القسم العقيد السيد حسن يوسف بعد نقله إلى إدارة حراسة المنشآت، وأغلق المحتجون أبواب القسم فى واقعة تكررت كثيرًا قبل عامين، وكنا نأمل ألا تعود، لكنها تكررت هذه المرة فى دار السلام.
أطباء يغلقون مستشفى، وأمناء وضباط شرطة يغلقون أبواب القسم.. الاثنان تقاسما الخطأ نفسه، حولوا الحق فى الإضراب إلى جريمة أخلاقية وإنسانية، اهتموا بحاجاتهم وطلباتهم الخاصة، وتناسوا حقوق المواطنين، سواء من الراغبين فى الأمن أو الباحثين عن العلاج.. الخطأ نفسه ارتكبه الاثنان رغم أنهما كانا سبب الخلاف فى واقعة مستشفى المطرية، لكن يبدو أن التفكير الواحد يسيطر على الجميع.. مصلحتى وما بعدها هالك.. هذه هى الحقيقة، فالأطباء أضربوا بسبب ما حدث فى المطرية، لكنهم لم ينتفضوا لما حدث فى الغربية من أخطاء طبية كارثية سببت العمى لأبرياء لا ذنب لهم، إلا أنهم وثقوا فى أطباء وسلموا لهم أنفسهم، فكانت النتيجة إصابتهم بالعمى، والغريب أن أطباء المطرية أغلقوا المستشفى لكن لم يجرؤ أحدهم ليغلق عيادته الخاصة، رغم أن الكرامة واحدة لا تتجزأ.
كيف نحدد آليات الإضراب؟.. نحن فى حاجة لوضع آليات محددة للإضراب، حتى لا يتحول إلى سيف مسلط على رقاب البسطاء، فإذا كان من حق الأطباء أن يحفظوا كرامتهم، ويطالبوا بمعاقبة من اعتدى على زملائهم، فمن حق البسطاء أن يتلقوا العلاج الذى كفله لهم الدستور والقانون وكل المواثيق الدولية، بل والأخلاق والإنسانية أيضًا.. للأطباء أن يضربوا إذا كان القانون يكفل لهم ذلك، لكن للإضراب قواعد، منها أن يظل جزء من الأطباء يعملون لتقديم الخدمة الصحية للمواطنين. من حق ضباط الشرطة أن يضربوا، لكن من حقنا طلب الأمن.. من حق سائقى القطارات أن يضربوا، لكن من حقنا أن نصل إلى أماكن عملنا.. من حق الجميع أن يضرب عن العمل، لكن من حقنا نحن أن نحيا أيضًا، ولكى نحيا يجب تقنين حق الإضراب، وأن يتم إعلاء المبادئ الإنسانية والأخلاقية، وأن يتبنى مجلس النواب الحالى تشريعات تحدد هذا الحق وضوابطه وآلياته، وعقوبات أيضًا لمن يتجاوز هذا الحق ليحوله إلى أداة لضرب المواطنين وعقابهم.