خرج علينا مدير وكالة المخابرات العسكرية الأمريكية الجنرال فنسنت ستيورات، بتصريحات تحذر من أن تنظيم داعش الإرهابى سيزيد من هجماته العابرة للحدود، خاصة بعد إنشاء فروع للتنظيم فى مالى وتونس والصومال وإندونيسيا وبنجلاديش، ووصف الجنرال ستيورات تنظيم داعش الإرهابى بأنه يسعى إلى تأجيج صراع دولى فى مختلف مناطق العالم، ومن بينها مصر التى حذرها الجنرال من هجمات فتاكة للتنظيم الإرهابى فى العمق.
هنا لابد وأن نتساءل عن هذا العقل المركزى الجبار لما يسمى بتنظيم داعش وخططه الاستراتيجية لتأجيج الصراعات حول العالم وإمكاناته التسليحية الفائقة، وقواعده المرتبطة من خلال وسائل الاتصال المتطورة، وقدرته على إدارة الجبهات المفتوحة فى قارات العالم الخمس، وكذلك ثروته الضخمة التى تمكنه من رصد ميزانيات مفتوحة لمواجهة أقوى الجيوش فى العالم داخل التحالف الغربى بقيادة أمريكا، بالإضافة إلى إدارة صراعاته الطائفية ضد الشيعة والإيزيديين والمسيحيين والشرطة والجيش النظامى فى البلاد التى ينتشر فيها.
وهل يحذر الجنرال ستيورات فعلا الدول التى ظهرت فيها الخلايا الإرهابية التى بايعت داعش، من خطر التنظيم الإرهابى، أم يطلق حملة تهديدات جديدة للدول التى لا تدور فى الفلك الأمريكى؟ أى محلل محايد ينظر إلى خريطة الشرق الأوسط الآن، ويتابع ما يصدر عن الإدارة الأمريكية والمؤسسات التابعة لها، يدرك على الفور أن الأهداف النهائية لتنظيم داعش الإرهابى تتطابق مع استراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية التى وضعت منهج الفوضى الخلاقة محل التنفيذ الفعلى فى المنطقة، ورصدت المليارات لتنفيذه، كما صنعت له العديد من الأدوات والمخرجين المنفذين، من بينهم تركيا وقطر وجماعة الإخوان الإرهابية وتنظيم داعش وتنظيم بوكو حرام وعشرات الجماعات المتطرفة الصغيرة فى العراق وسوريا وإندونيسيا وأفغانستان.
حققت الإدارة الأمريكية جزءا كبيرا من برنامجها بنجاح خلال السنوات الخمس الماضية، واستطاعت بالفعل تأجيج المنطقة العربية والشرق الأوسط بالحروب الطائفية والإثنية، والتمهيد لتفتيت دول المنطقة وفرض السيطرة على مناطق النفط فى المنطقة، من خلال ضرب الشركات الوطنية وإطلاق أيدى عصابات التهريب والسماسرة فى بيع النفط المسروق فى سوق سوداء كبيرة لتمويل الحروب الأهلية، وإنعاش تجارة الأسلحة الصغيرة والمتوسطة، وبالفعل ظهرت الأدوات الأمريكية واحتلت واجهة الأحداث فى المنطقة والعالم، وباتت إمارة الدوحة لاعبا مؤثرا فى المنطقة العربية فى مفارقة جيوسياسية كوميدية، كما أصبح أردوغان عراب صناعة التنظيمات المتطرفة، وتوريد المرتزقة إلى المناطق المراد إشعالها، فضلا عن إدارة أكبر تجارة سوداء للنفط.
لكن الإدارة الأمريكية منيت خلال السنة الأخيرة بانتكاسة كبيرة فى مشروعها لإعادة تخطيط المنطقة العربية والشرق الأوسط، فقد انكسر الإخوان تماما فى القاهرة وتونس، وعادت سوريا إلى الحياة بفضل العامل الروسى الذى قوض تقدم المعارضة المسلحة، وأعاد سيطرة قوات النظام على مناطق استراتيجية بمحيط دمشق وريف حلب وإدلب، فضلا عن صعود حفتر فى ليبيا، وتماسك الجيش الوطنى فى مواجهة الجماعات المتطرفة، ومع ذلك تسعى الإدارة الأمريكية مثل الآلة الصماء إلى استكمال برنامجها حتى انتهاء ولاية أوباما الثانية.
هذا العناد الغبى لدى الإدارة الأمريكية، يودى بها إلى دعم أبشع الأنظمة الاستبدادية والجماعات المتطرفة، حتى على حساب الأمن الأمريكى والمصالح الأمريكية ومصالح حلفائها الأوروبيين، ولن نتعجب فى المدى المنظور إذا انفجرت التنظيمات الإرهابية فى وجه الإدارة الأمريكية وتتابعت عملياتها فى أوروبا.