من الأقوال الشائعة فى التراث الشعبى «من حبنا حبناه وصار متاعنا متاعه .....» وهو تعبير عن تبادل المعزة والوداد والحب بين طرفين يرى كل منهما أن العاطفة الصادقة من طرف لطرف آخر جديرة بالتبادل وبعطاء مماثل، وأن هذا العطاء هو من باب العرفان لهذه العاطفة وما فيها من صدق وإخلاص وأنه لا يمكن تجاهل هذا الود والحب الصادق.
كان مثل أى شخص عادى منشغلًا عن الله بملذات الدنيا وفتنتها.. إلى أن حان موعد الهداية والقرب من الله سبحانه وتعالى، فى لحظة تحولت قبلة قلبه إلى الله تاركة الدنيا وما فيها من متع زائلة عابرة ظاهرها العذوبة وحقيقتها المرارة ومنتهاها العذاب والاحتراق فى النار وربما الاستقرار فى سقر.. إنه الإمام الزاهد العابد التقى الورع الحكيم بشر بن الحارث المشهور بـ«بشر الحافى».
سكن بغداد ومات فيها، وكان من أغنى أغنيائها غارقًا فى الشهوات من خمر وقمار وغيرها من الموبقات، لتأتى لحظة التحول عندما وجد يومًا فى طريقه ورقة على الأرض كتب عليها: «بسم الله الرحمن الرحيم» خشى سيدى بشر الحافى أن تداس تلك الورقة بالأقدام وهى تحمل أعظم وأجمل اسم فى الوجود اسم خالق الوجود الله سبحانه وتعالى فأخذها وقال: «سيدى اسمك هاهنا ملقى وهو الاسم المقدس الذى يعلو كل الأسماء؟!».
ثم ذهب واشترى عطرًا وعطر به الورقة التى عليها اسم «الله» سبحانه وتعالى ثم دفن الورقه فى إحدى فتحات حائط بيته حتى لا تداس، وبات سيدى بشر وهو حزين وفرحان فى نفس الوقت، حزين لأن أحدًا لم ير تلك الورقة رغم النور الذى كان يشع منها، والسعادة التى شعر بها بمجرد لمسه إياها. وكان سعيدا أيضا لأنه نال هذا الشرف العظيم بقيامه بهذا العمل النورانى الذى جعله يبكى من الفرحة وهو يحمل الاسم المقدس بين يديه ويعطره ثم يضع الورقة فى شق بجدار بيته، وشعر كأن الجدار قد أضاء وأنه يتباهى على الجدران الأخرى الموجوده فى البيت، وفى تلك الليلة رأى فى المنام من يقول: «يا بشر بن الحارث.. رفعت اسمنا عن الطريق وطيبته.. لأطيبن اسمك فى الدنيا والآخرة»، وتاب الله سبحانه وتعالى عليه وأصبح من كبار الزهاد العارفين.. صحيح «من حبنا حبناه وأنقذناه».