ليس من المفهوم أن يفتح بعض الكتاب السعوديين النار على الموقف المصرى من الأزمة السورية عامة، والتلويح بالتدخل البرى فيها خاصة.
تزايد منسوب الغضب بعد الموقف الذى أعلنه وزير الخارجية سامح شكرى الذى قال فيه: «إن الحل العسكرى فى سوريا أثبت خلال السنوات الماضية عدم جدواه، وأن الحلول السلمية هى المثلى».
يؤكد كلام «شكرى» على تمايز موقف مصر من هذه الأزمة بعد 30 يونيو 2013، الذى يختلف عما كان أيام حكم محمد مرسى، حيث أسهمت جماعة الإخوان وحلفاؤها من الجماعات الدينية الأخرى فى تقديم كل أشكال العون للإرهابيين فى سوريا، فبعد 30 يونيو ومع اكتواء مصر بنار الإرهاب كان من الطبيعى أن تقف بالمرصاد ضد الإرهاب فى المنطقة، وتعى خطأ الماضى حين شجع الرئيس السادات جماعات دينية على السفر إلى أفغانستان لمقاومة الاحتلال السوفيتى «الروسى» الذى بدأ عام 1979، ولما انسحبت القوات السوفيتية من أفغانستان يوم 15 مايو 1988، عاد هؤلاء إلى مصر لينقلوا إرهابهم وسقط المئات كضحايا لجرائمهم الإرهابية طوال فترة التسعينيات من القرن الماضى.
تدفع مصر ثمنا باهظا فى حربها مع الإرهاب، وبالتالى هى تعرف بوصلتها فى علاقتها الإقليمية فيما يتعلق بهذا الأمر تحديدا، والموقف من تركيا خير دليل وكذلك الموقف من قطر، باعتبارهما الداعمين لجماعة الإخوان والجماعات الإرهابية المتحالفة معها، وبطريقة وبأخرى فإن الرؤية المصرية تقوم على أن الجماعات الإرهابية فى المنطقة أصلها واحد وفروعها موزعة على البلدان العربية وفى القلب منها سوريا، وليس خافيا على أحد حقيقة مصادر تمويل هذه الجماعات فى سوريا، وهلع هذه المصادر من انتصارات الجيش العربى السورى فى الفترة الأخيرة، واستعادته للعديد من القرى التى كانت تحت سيطرة داعش وجبهة النصرة وغيرهما، وهو ما يدفع الآن إلى التلويح بالتدخل البرى، ولو حدث ذلك فستتحول المنطقة إلى جهنم، وستفتح باب الحرب إلى مدى طويل طبقا لتصريحات رئيس الوزراء الروسى ديمترى ميدفيديف.
فى ظل هذا الأوضاع الملتهبة تنطلق الرؤية المصرية مؤكدة أن الحل السياسى هو وحده الكفيل بإنهاء الأزمة السورية، بعد أن أورثت السنوات الماضية سوريا دمارا وتخريبا ومئات الآلاف من الضحايا، وعبرت مصر عن هذا الموقف فى أكثر من مناسبة خلال الفترات الماضية، غير أن تجديد وزير الخارجية سامح شكرى التأكيد على نفس الموقف بعد التلويح بالتدخل البرى فتح باب الهجوم ممن يلوحون بهذا التدخل، ووصل إلى حد قول الكاتب جمال خاشقى: «أتمنى ألا تأتى لحظة تكون فيها مصر مضطرة للاختيار بين تأييد السعودية أو روسيا فى المحافل الدولة»، وقول الكاتب السعود» «تركى الشلهوب» فى تغريدة له على «تويتر»: «السيسى خذل المملكة فى كل المواقف الحاسمة، هو اليوم يرفض التدخل البرى فى سوريا، لأنه يخشى التصادم مع أصدقائه بوتين وخامئنى»، وغنى عن القول أن الكاتبين على خطأ فى وجهة نظرهما الخاصة، لأنه السياسة المصرية الخارجية فى انفتاحها على الصديق الروسى لم يضبطها أحد متلبسة بأنها تمارس هذا الانفتاح على حساب علاقتها الإقليمية، والسعودية تقف فى قلب هذه العلاقة، وليس بعيدا عن هذا الطرح أن مصر لم تتقدم خطوة واحدة فى اتجاه العلاقات مع إيران بحسابات دقيقة تتعلق بعلاقاتها مع السعودية خاصة ومنطقة الخليج.
من هنا فإن رفض مصر للتدخل البرى فى سوريا، لا يقوم لإرضاء أطراف بعينها مثل روسيا وإيران كما يذهب «الشلهوب»، وإنما هو تعبير عن رؤية عميقة لضرورات الأمن القومى المصرى من ناحيته الشمالية التى يشهد عليها تاريخ المنطقة منذ أحمس ورمسيس وصلاح الدين الأيوبى ومحمد على وجمال عبدالناصر، وخلاصة ذلك أن الموقف المصرى فى هذه القضية يستحق التحية والتقدير مادام يبقى هكذا.