بدأت، أمس، قراءة الكتاب المهم «التخوين والتكفير» للدكتور وحيد عبدالمجيد، الذى يكشف أزمة العقل العربى حاليا، وأستكمل..
يضع الكاتب يده على مسألة مهمة وهى تزايد الخطر على المجتمع حينما يعيش متزايدًا من أبنائه تحت وطأة الشعور بمؤامرات فى كل مكان، ففى ظل هذا الشعور ينتشر الاعتقاد بأن الخونة يصولون ويجولون فى مختلف الأنحاء، ويتم التوسع فى التفسير التآمرى للأحداث بلا حدود وشيوع الاتهام بالخيانة والتآمر بلا حساب، وعندما ينتشر هذا التوجه ولا يوضع له حد فى بدايته لا ينجو منه إلا القليل، وتبدأ هذه الحالة عادة باستسهال اتهام من تختلف معه ولو فى تفاصيل صغيرة بأنه خائن أو عميل أو طابور خامس، فتنتشر رذيلة التخوين التى تمثل الوجه الآخر لخطيئة التكفير، وينوب من يزعمون أنهم يخشون على وطنهم عن أعداء هذا الوطن فى تدمير نسيجه المجتمعى الذى تعد سلامته من أهم مقومات الأمن القومى لأى بلد فى هذا العصر.
يشير وحيد عبدالمجيد إلى أن الحكومات تجد من مصلحتها الارتداد إلى التفسيرات التآمرية كلما احتدمت الأزمات، وتفعل ذلك للتنصل من مسؤوليتها عن تلك الأزمات وما يترتب عليها من نتائج، وهى تتساوى فى ذلك مع الجماعات التى تحاول احتكار الدين والاتجار فيه بتدعيم التفسيرات التآمرية فى إطار الخرافات التى تعد جزءًا لا يتجزأ من عقليتها وبنيتها الفكرية، غير أن أخطر ما فى هذا كله هو استعداد قطاع واسع من المجتمع المصرى للاقتناع بالتفسيرات التآمرية للأحداث، لأن العقل العام ظل أسير خطاب عدائى ضد بعضه البعض كما ضد الخارج رغم اختلاف خلفيات هذا الخطاب وأهدافه من مرحلة إلى أخرى.
فى رصده لـ«هيستيريا التخوين» يتحدث وحيد عبدالمجيد عن «التخوين الجماعى» و«التخوين فى كل اتجاه» و«التخوين داخل المعسكر الواحد» ومع شيوع التخوين تنتشر ثقافة الكراهية وخطابها الذى تتعدد أنواعه وسماته فى الإعلام، فهو خطاب مغلق، وخطاب أحادى، وخطاب خرافى، وخطاب يجهز على كل شىء.
النتائج المترتبة على كل ذلك كثيرة وكارثية ليس أقلها انصراف المجتمع عن السياسة، فى مقابل تزايد الطلب على الأمن وتناقصه على الحرية.