لماذا لا ينشئ السائقون شركة تنافس كريم وأوبر؟
هو اختبار جديد وقع فى المجتمع المصرى، وللأسف فقد عالج المصريون هذه الأزمة مستخدما ذات الأدوات التى يعالج بها أزماته، فأصبح كمن يضع الزيت على النار بدلا من أن يضع الماء، وبدلا من أن يستوعب المجتمع المصرى درس «الحداثة» المقبل عبر شركتى «أوبر وكريم» تفنن المجتمع فى تحويل هذه «المنافسة» إلى حلبة جديدة من حلبات الاحتقان، ووصل الأمر إلى أن بعض سائقى التاكسى الأبيض تركوا أعمالهم وتفرغوا لمطاردة سيارات هاتين الشركتين، ونصب الكمائن لزملائهم من السائقين الذين يسعون مثلهم من أجل «لقمة العيش»، وعلى الجانب الآخر أرى بزوغا للنزعات الانتقامية من سائقى التاكسى الأبيض، ولا أبالغ إذا قلت إن تلك النزعات وصلت إلى شكل من أشكال «المرض» عند بعض المؤيدين لشركات التوصيل الحديثة، ناسين أن سائقى التاكسى الأبيض فى النهاية «بشر» لهم حياة، ولديهم أبناء وعليهم أعباء وأنهم يشقون بالفعل فى أعمالهم من أجل لقمة عيش «حلال» تغنيهم عن الاحتياج أو الانحراف.
تجلت هنا ملامح السقوط فى فخ اجتماعى جديد، وكأننا لم نكتف بعد من الاحتقانات السياسية والاجتماعية والدينية التى نعانى من وجود فائض استراتيجى لدينا يكفى لحرق العالم أجمع، فاحترفنا تزويد هذه الاحتقانات بين أبناء المهنة الواحدة، وللأسف فإننا لم ندرك بعد أن لكل عصر آلياته ولكل جيل متطلباته، ولم نراع كذلك أهمية «الرحمة» بين أبناء المجتمع الواحد، وأبناء المهنة الواحدة، فمشكلة انتشار وسائل التوصيل الحديثة لا أعتبرها مشكلة لكنها ميزة جديدة تضيفها التكنولوجيا الحديثة إلى حياتنا، لكن لابد أن نراعى وجود آلاف المصريين الذين يعلمون فى قيادة التاكسى التقليدى، فما الحل أمام هذه المشكلة؟
الحل من وجهة نظرى أن يدرك الجميع أن التحديث أمر لا مفر منه، وأن عجلة الزمن لن تعود إلى الوراء مهما حدث، وفى اعتقادى أيضا أن وسائل التوصيل الحديثة ستنتشر بشكل كبير فى الأيام القليلة المقبلة، ولهذا فإنى أعتبر أن ما يحدث الآن من تشاحن أشبه بما حدث وقت انتشار التليفونات المحمولة التى تكاد تودع التليفونات الأرضية فى ثلاجة الانقراض، وهو ما حدث أيضا وقت انتشار السوبر ماركت، وما حدث أيضا وقت انتشار الكتاب الإلكترونى، ولهذا فيجب على الحكومة المصرية أن تسعى جاهدة إلى تقنين وضع شركات التوصيل الحديثة بالشكل الذى يعود بالنفع على الدولة المصرية، ويسهم فى زيادة الأيدى العاملة ويقلل من أزمة البطالة، كما يجب على أصحاب التاكسى الأبيض أن يتحدوا ويؤسسوا شركة جديدة على غرار شركتى «أوبر وكريم»، وبذلك يستفيد الجميع، فتحصل الدولة على «ضرائب» من الشركات، وتحصل الشركات على حرية العمل والتوسع، ويحصل الشعب على خدمة متميزة وآمنة تزيد روح المنافسة من جودتها، ويتم تشغيل أعداد إضافية لينتقلوا من خانة البطالة إلى خانة العمل، وتبعث الحكومة برسالة إلى الشركات العالمية بأنها ترحب بالاستثمارات الأجنبية ولا تحاربها.