عندما نتحدث عن أزمة اقتصادية يفترض أن يكون التعامل معها من جهات مختلفة، وبإجراءات تتم باتفاق تام من الحكومة، وليس بمجرد إجراءات موضعية، سرعان ما تتبخر لتبقى الأزمة كما هى.
والأمر هنا لا يتعلق بالتشاؤم والتفاؤل، فالحديث عن اختلال الموازين، لا يتعلق بمصر وحدها، فالولايات المتحدة وأوروبا ودول مثل إيطاليا واليونان تواجه أزمات وتسعى حكوماتها إلى اتخاذ حزم من الإجراءات الاقتصادية للخروج من أزماتها.
بعض الإجراءات المطروحة فى مصر تؤثر على الطبقات الفقيرة، والوسطى، الأغلبية، لكن هناك من الإجراءات ما يمكن أن يخفف أزمة الدولار ولا يؤثر على الأغلبية، وهو ما يتعلق بالتعامل مع هوس الاستيراد لمنتجات لها بديل محلى، أو منتجات ترفيهية للأغنياء فقط.
ربما يحتاج الأمر إلى إجراءات مثلما يتعامل البنك المركزى مع الجنيه والدولار، بين تثبيت قيمة الجنيه أمام الدولار أو تعويمه.
التعامل مع الجنيه له مقابل فى التعامل مع الاستيراد، هناك إجراءات تتعلق بفرض الجمارك أو رسوم الإغراق.
وهى إجراءات لا تتناقض مع حرية التجارة والاتفاقيات التى وقعت عليها مصر وتتعلق بحرية انتقال السلع والمنتجات.
نحن هنا نتحدث عن سلع ومنتجات لها مقابل محلى، يخسر منتجونا مقابل أن نستورد وندعم المنتج الخارجى، نستودر أسماكا بـ3 مليارات جنيه، وألبان 3.8 مليار جنيه، وعدس 850 مليون جنيه، مع ملاحظة أننا لدينا كل هذه المنافذ البحرية والنهرية، بحران ونهر وبحيرات.
والألبان يخسر المنتج المحلى، مقابل دعم المنتج الخارجى. الفلاح المصرى يخسر فى القمح ولا يجد من يشتريه، مع أن إنتاجه يمكن أن يغطى مساحة من الفجوة الغذائية، ونفس الأمر فى الأرز الذى يغطى إنتاجه أغلب - إن لم يكن كل - الاستهلاك ويفيض للتصدير والعدس نستورده، مع وجود إنتاج لكنا نكتشف استيراد أنواع من الأرز، نستورد بـ50 مليار دولار سنويا منتجات لدينا مقابلها.
وهنا دور الحكومة التى يفترض أن يكون لديها إحصائيات واضحة عن الإنتاج والاستهلاك، وأن يكون هناك اهتمام بالفلاح والمنتج الزراعى، أكثر من مجرد البحث عن إعانات.
الريف والفلاح لديهما إجابات عن أسئلة الاقتصاد، لا يمكن ألا يكون لدينا خرائط وأرقام واضحة عن إنتاج الألبان والحبوب ونستسلم للاستيراد.
سيرد البعض بالقول إن قوانين التجارة العالمية تؤكد حرية انتقال السلع، وتقلل من قدرات فرض الجمارك، لكن الدول الكبرى تتخذ إجراءات لحماية منتجاتها وتدعم الفلاح.
وما لم تكن هناك سياسات اقتصادية حكومية تتوازى مع السياسات المصرفية للبنك المركزى، يصعب توقع أن يتوقف الاتجاه لخفض قيمة الجنيه مقابل الدولار.
وإذا التزمت الحكومة بخفض الإنفاق، ودعم المنتج المحلى يمكن ساعتها للمواطن أن يصدق الجدية وأنها ليست مجرد إجراءات موضعية.