حاصل جمع سنوات الربيع والضباب عادت جامعة الدول العربية، بعد سنوات بقيت خارج نطاق الفعل أو حتى رد الفعل، خمس سنوات على جهاز التنفس الصناعى، فاجأتها تحولات الربيع العربى، برياحها وخريفها، وصراعات وحروب أهلية وتداخلات دولية وإقليمية، وإن انتهت هذه الصراعات لا يتوقع أن تعود الأمور كما كانت أو تبقى 22 دولة ربما تزيد أو تتغير، والجامعة العربية حاصل جمع أعضائها، وإذا كانت مفرداتها- الدول- تعانى من الصراعات لا يمكن توقع أن تكون الجامعة أقوى من أفرعها.
لم تنجح الجامعة فى منع صراع أو وقف حرب، لم تمنع الغزو العراقى للكويت، ولا الغزو الأمريكى للعراق، ولا وقف التدهور الداخلى فى الدول العربية، وحتى تمويل الجامعة نفسه يخضع لمدى رضا أو سخط هذه الدولة أو تلك، وكانت فى السنوات الأخيرة على شفا الإفلاس، وبقيت تحيا بالحد الأدنى. الجامعة العربية تأسست فى 22 مارس 1945، قبل الأمم المتحدة التى تأسست فى 24 أكتوبر 1945 على أنقاض عصبة الأمم التى فشلت فى منع الحرب، وتم فتح عضوية الأمم المتحدة أمام كل الدول التى تقبل التزامات ميثاق الأمم المتحدة.
من المفارقات أن الجامعة العربية تأسست من سبع دول عربية مستقلة وقتها هى: مصر، وسوريا وشرق الأردن ولبنان والعراق واليمن والمملكة العربية السعودية. وانضمت الدول المستقلة، ووصلت إلى 22 دولة، وظل مؤشر الجامعة مرتبطا بمؤشر القوة العربية فى صعودها وهبوطها، واجهت ما تواجهه الدول العربية من ضعف وتراجع للديمقراطية والتجديد، حيث بقى زعماء الاستقلال وتحولوا من أبطال إلى أعباء فى الاستبداد والتسلط.
لم يمر ترشيح مصر أحمد أبوالغيط، وزير الخارجية الأسبق بسلام، واجه اعتراضا من قطر، الدوحة قالت، إنها تتحفظ على الشخص وليس على مصر كجهة ترشيح، لكن موقف قطر لا يختلف عن مواقفها السابقة، قطر رفضت فقرة فى بيان الاجتماع التشاورى لمجلس الجامعة لإدانة ذبح 21 مصريا على يد داعش فى ليبيا، الفقرة تؤكد وقوف الدول العربية إلى جانب مصر فى حربها ضد الإرهاب وتأييدها لجميع الإجراءات والتدابير.. قطر تحفظت على الفقرة، وأيضا رفضت رفع حظر التسليح عن الجيش الليبى، ورفضت إدانة الجامعة للقصف التركى على شمال العراق. اختيار أحمد أبوالغيط أعاد جدلا سابقا هو أن أبوالغيط وزير خارجية مبارك وينتمى لنظامه، وهو طرح يخلو من قاعدة للإبقاء والاستبعاد.
ومن الصعب الحديث عن تصنيع مرشح للجامعة خلال خمس سنوات، أو إلغاء كل من خدم فى فترة مبارك دون قواعد، وهى قضية تستحق المناقشة، لكن الأهم هو مستقبل الجامعة نفسها، التى قد تواجه مصيرا قد لا تبقى بنفس العدد، أو تتغير من جديد بعد أن صارت قديمة قدم أنظمة فقدت قدرتها على الفعل، فهى مثل النظام العربى تعيش خريفا لا تبدو نهايته.