انفتحت علينا ماسورة الفتاوى الشاذة والفتاوى الغبية والفتاوى الفانتازية وفتاوى المرضى النفسيين، وأصبح كل عاطل أو متخلف دينيًا أو مأجور أو تابع لأجهزة نشر الوهابية فى مصر جريئًا على الفتوى، وتسميم حياة الناس بمناسبة أو غير مناسبة، ومادام الواحد من دول يستطيع الظهور على فضائية تحت السلم، أو حتى كتابة آرائه على الـ «فيس بوك» أو على موقعه، ويجد من يروجها له من وسائل الإعلام، فستظل قضاياهم التافهة تنغص علينا عيشتنا.
آخر هذه الفتاوى أصدرها الصبى حاتم حجازى، الشهير بـ«ابن الحوينى»، وقال فيها إن الاحتفال بعيد الأم حرام شرعًا، ولا يجوز أن يعلن المسلم الاحتفال به، أو يقبل به عيدًا.. من أين لك هذا العلم يا سى حاتم؟ يقول لك أنا ابن الحوينى، يعنى خريج جامعة الأزهر حضرتك؟، يقول لك لأ، طيب سعادتك حصلت على الماجستير والدكتوراة فى علوم الدين وفقهه وأصوله؟، يجيب بالنفى أيضًا، أمال إنت بتشتغل إيه؟.. شوف العجب، يقول لك أنا طالب علم شرعى، وعندى شركة استيراد وتصدير، وابن الحوينى. يعنى إيه الكلام ده؟، وإيه علاقتك بالفتوى؟، وهل مجرد إن أبوك بيصنف نفسه شيخ وصاحب علم نتيجة للفوضى اللى كنا عايشينها عايز إنت كمان تركب الموجة، وتعمل فيها شيخ وصاحب مقام يؤخذ منه ويرد عليه؟، وبعدين لو جبنا السلسال من أوله هنلاقى أبوك واحد من صبيان الوهابية اللى تم إطلاقهم على المجتمع فى عهد مبارك، وتسببوا فى نشر الفكر المتطرف فى المساجد الضرار فى القرى والمدن الصغيرة، حتى تشعبت وتمددت الحركات السلفية لدرجة حمل السلاح، وتكفير المجتمع، والخروج عليه.
فى الثمانينيات من القرن الماضى كان حجازى محمد يوسف شريف الذى عُرف لاحقًا باسم «أبوإسحاق الحوينى» يدرس هو وكثيرون من أشباهه فى جامعات القاهرة والمحافظات، ومنهم من سافر لأفغانستان وباكستان والسعودية أيام كانت مخابرات عدة دول خليجية تورد المقاتلين لأفغانستان لمواجهة السوفييت بأوامر أمريكا، تمامًا مثلما يفعل أردوغان الآن فى سوريا والعراق وليبيا لإثارة الفوضى والحروب الأهلية.. أخونا حجازى محمد يوسف سافر الأردن كام شهر، وتتلمذ على عدد من مشايخ التطرف، ومنها لمساجد السعودية وشيوخ الوهابية المتطرفين، حيث تم إعداده ليكون كادرًا لنشر الفكر المتزمت فى ريف مصر، وإمداده بكل ما يحتاج إليه ليعيش عيشة الأثرياء دون أن يسأله أحد، من أين لك هذا؟ كانت عودة حجازى محمد يوسف للبلاد باسم غريب لجذب الأسماع، «أبوإسحاق»، ثم إلحاقه بلقب مستمد من بلدته «حوين» بكفر الشيخ على عادة القدماء ليصبح اسمه «أبوإسحاق الحوينى»، مع الترويج لما حصله من علم غزير، وما ألفه من كتب، لبناء صيت وسمعة، وللإيهام بأن الرجل علامة زمانه، حتى إن نطق برأى أو فتوى نقلت عنه وصارت مرجعًا، على الأقل فى أوساط السلفيين الذين تم استخدامهم لتفجير المجتمع من الداخل ثقافيًا، وأصبحت لهم معاقل فى الإسكندرية، والشرقية، وبنى سويف، وكفر الشيخ، والجيزة، والدقهلية، كما أصبحت لهم شبكة مساجد يتداولون فيها الخطابة، وإقامة حلقات الدرس، أو ما يسمى بالعلم الشرعى، ووصل هؤلاء المتطرفون السلفيون إلى قمة ظهورهم بعد ثورة يناير، إذ خرجوا جميعًا من الجحور، وأعلنوا عن توجهاتهم، ما بين السلفية الجهادية والسلفية الدعوية، وما بين الجبهة السلفية والدعوة السلفية، أو فى مخابئ ومساجد الجمعيات الشرعية فى المحافظات، وظهرت ولاءاتهم وفتاواهم التى تخدم الاستعمار الجديد، وأعداء هذا البلد دون أن تتخذ الحكومة تجاههم ما يلزم من الإجراءات الرادعة التى تجفف منابعهم، وتمنعهم من تفريخ المتطرفين، والحق أن حال البلد لن ينصلح إلا بالضرب على أيدى هؤلاء المتطرفين إن فتحوا أفواههم الكريهة بما يكدر السلم العام.