كتبت فى فبراير الماضى، عن التحيز الإعلامى فى الانتخابات البرلمانية، بسبب بيئة الإعلام المصرى وأنماط ملكيته، ووجود رجال أعمال مرشحين أو رؤساء أحزاب يمتلكون ويديرون صحفا أو قنوات أو وكالات إعلان!!
لكن أكدت أن درجات التحيز ستختلف من وسيلة إلى أخرى بحسب نمط الملكية والإدارة، وربما تنجح بعض التغطيات هنا وهناك، لكن المحصلة لن تكون مرضية، ولن نرى تغطية إعلامية متوازنة ومهنية وتتسم بالعدالة والشفافية بين المرشحين.
وأزعم أن هذا ما جرى فى الجولة الأولى، وسيتكرر فى الجولة الثانية وفى جولات الإعادة، والمفارقة أن لجنة رصد الأداء الإعلامى أعلنت عن مخالفة عدد من القنوات لقواعد الدعاية، ومع ذلك لم توقع على هذه القنوات أى جزاءات، وتواصلت المخالفات خلال الفترة المسموع فيها بالدعاية، وماتزال تلك المخالفات تحدث، ومن خلال الملاحظة أعتقد أن تليفزيون وصحف الدولة قد اقتربا من التوازن فى تغطيات الانتخابات أكثر من القنوات والصحف الخاصة، وبشكل عام يلاحظ قلة الاهتمام بمتابعة الحملات الانتخابية للمرشحين ومناقشة برامج المرشحين، وتركيز التغطية الإعلامية على دعوة الناخبين للمشاركة، وكان الأهم والأبرز هو متابعة عمليات التصويت والفرز خلال يومى الانتخابات، لكن يلاحظ المستوى الضعيف للمراسلين فى لجان الانتخابات بالمحافظات، غير أن ضعف المراسلين كان أكبر فى القنوات الخاصة، التى للحق تفوقت على قنوات تليفزيون الدولة فى تقديم تغطيات مباشرة من عدد كبير من المحافظات التى أجريت فيها انتخابات الجولة الأولى.
وبشكل عام اعتمدت التغطية الإعلامية للإعلام على برامج ومتابعات تقليدية، ولم تستحدث أشكالا جديدة منها المناظرات بين القوائم، وكذلك المناظرات بين المرشحين الذين يخوضون جولة الإعادة، وقد رصدت شخصيا أربع قنوات تحيزت بوضوح لصالح أحزاب ومرشحين تربطهم مصالح مع أصحاب تلك القنوات، والأغرب أن عديدا من القنوات استضافت بعض المرشحين الذين يخوضون انتخابات الإعادة، ولم تمنح خصومهم نفس الفرصة فى الظهور، وأعلن عدد من المذيعين تأييدهم لبعض المرشحين فى دوائر مهمة، طبعا لا أحد يمكن أن يحاسب هؤلاء المذيعين الذين تحولوا إلى دعاة ومرشدين للشعب يتحدثون ويفتون فى كل شىء بلا محاسبة أو رقيب، وللأسف أنتجت ظاهرة المذيعين ومقدمى البرامج الدعاة والمرشدين للشعب أشكالا غريبة ومرفوضة من الاستعلاء على الشعب «الجاهل.. أو الكسول» الذى لا يخرج للتصويت، هذا الاستعلاء المرفوض شكلا وموضوعا ظهر فى انتخابات الرئاسة عام 2014، ثم ظهر فى الانتخابات الأخيرة، وبعيدا عن هذه الظاهرة أرى أن الإعلام الخاص أو العام لم يقصر فى حث المواطنين للمشاركة فى الانتخابات، ومع ذلك كانت الاستجابة محدودة، لأسباب أخرى تتجاوز قدرة الإعلام، وأتصور أن ما جرى يكشف بوضوح أن الإعلام لا يصنع المعجزات، وإنما يعكس الواقع، وقد يعظم بعض الإيجابيات أو يضخم بعض السلبيات، لكنه لا يمكن أن يخلق أحداثا من عدم أو يحرك جماهير إلا إذا كان هناك ما يساعده فى أرض الواقع.
فى الآخر، أتمنى أن يصحح الإعلام أخطاءه فى المرحلة الثانية، وأن تتحرك اللجنة المشرفة على الانتخابات بسرعة أكبر لوقف المخالفات، وأن تبادر الصحف والقنوات بتنظيم مناظرات بين برامج الأحزاب المتنافسة وبين القوائم ومرشحى الإعادة، لأن هذه المناظرات هى الطريق الوحيد المتاح للكشف عن أفكار وبرامج المرشحين والأحزاب فى الانتخابات البرلمانية، التى ستدهشنا نتائجها، وتقدم لنا تركيبة غريبة ومتنافرة فى البرلمان تعيد بقوة وجوه الحزب الوطنى القديم، والتحالف بين المال والسياسة والإعلام!! والأخطر، تحاول إعادة إنتاج نظام مبارك وسياساته الفاشلة.