الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 09:15 ص
محمد شومان

محمد شومان

الإعلام المصرى ظالم أم مظلوم؟

3/21/2016 9:35:34 AM
لا أحد فى مصر راض عن فوضى الإعلام، بما فى ذلك الإعلاميون أنفسهم، الرئيس غير راض، والحكومة تشكو من الإعلام، والشعب لا يعجبه أداء الإعلام وفضائحه، ومع ذلك يشاهد ويتابع، لكن عندما تبتعد عن صخب وفوضى الإعلام والشكوى منه، وتتأمل بعمق وهدوء المشهد الإعلامى، لن تصل إلى استنتاج محدد، وإنما سيُلح عليك سؤال صعب وهو: هل الإعلام ظالم أم مظلوم؟

هل إعلامنا بالفعل منفلت وفوضوى، أم أنه محاصر ومجرد ضحية للحكومة ورجال الإعلام وإمبراطورية الإعلان والمعلنين؟
مظاهر الفوضى الإعلامية كثيرة، وتراجع المهنية وغياب مواثيق الشرف يضر بالجميع، ويُفقد الإعلام مصداقيته وقدرته على التأثير، لكن كل هذه الأمراض نتيجة طبيعية لغياب التشريعات والأطر القانونية، التى تنظم عمل الإعلام والإعلاميين، فلا يوجد إعلام فى العالم بدون قوانين وتنظيمات ضابطة حديثة وواضحة سوى الإعلام المصرى، لأن هيئة الاستثمار هى التى تنظم الترخيص لإنشاء قنوات تليفزيونية، ولا توجد قوانين أو قواعد واضحة تحدد عمل ومضامين هذه القنوات أو تتصدى للاحتكار فى ملكية القنوات الخاصة وبقية وسائل الإعلام، لذلك فإن هناك قنوات عديدة تعمل بدون الإفصاح عن مصادر تمويلها، وتحولت قنوات أخرى إلى منصات لإطلاق الشائعات والفضائح، وتبادل السباب والشتائم بين مقدمى البرامج أو بين بعضهم وشخصيات عامة فى المجتمع! كل ذلك يحدث وهيئة الاستثمار غير قادرة على إدارة ملف القنوات الخاصة، لأنها بالأصل هيئة تهتم بالاستثمار وليس بالإعلام، وحتى لو أرادت، فإنه لا توجد قوانين تستند إليها فى منع هذه الممارسات أو حساب المخطئين.

وإذا انتقلنا إلى الصحافة الإلكترونية والمواقع المختلفة على الإنترنت، فإنها بلا استثناء تعمل بدون قوانين أو هيئات ضابطة، ولا توجد نقابة للعاملين فى الصحافة الإلكترونية، والأغرب أنه لا توجد نقابة لآلاف العاملين فى الإذاعة وقنوات التليفزيون العامة والخاصة، بالرغم من ضرورة وجود هذه النقابة حتى تضع مواثيق الشرف الإعلامى، وتحاسب أعضاءها إذا خالفوا هذه المواثيق، كما تمنح أو تمنع تصاريح العمل لمقدمى البرامج والمعدين، بدلاً من قيام أى شخص بالعمل كمذيع أو معد من دون علم أو دراسة أو تدريب، بحيث أصبحت مهنة المذيع أو المقدم مهنة من لا عمل له، وأصبحنا نرى على الشاشات مقدمى برامج ليس لهم علاقة لا بالإعلام كمهنة، ولا بالآداب العامة وقيم المجتمع.

نقابة الإعلاميين ضرورية للغاية من أجل تنظم المهنة، والدفاع عن حقوق الإعلاميين فى مواجهة سطوة حفنة من رجال الأعمال يسيطرون على القنوات الخاصة، ويتحكمون فى أرزاق العاملين وحريتهم، ويحددون المضامين والبرامج التى تقدمها تلك القنوات، ومن يقدمها من الإعلاميين أو غير الإعلاميين، حتى قانون الصحافة الورقية ونقابة الصحفيين أصبح قديماً، ولا بد من تجديده لكى يواكب العصر، ويتماشى مع مواد الدستور الخاصة بحرية الرأى والتعبير، وتشكيل مجلس وطنى للإعلام وهيئتين للصحافة وللإذاعة والتليفزيون، وأتصور أن الدستور جاء برؤية جيدة لإعادة تنظيم منظومة الإعلام، ومنع الاحتكار فى ملكية الإعلام والإعلان، لكن مواد الإعلام فى الدستور لم يتم تفعيلها أو يصدر بها قوانين تفصيلية، بالرغم من مرور أكثر من سنتين على إقرار الشعب للدستور.

الخلاصة، أننا إزاء وضع شاذ وغير معمول به فى العالم، ويؤدى لا محالة إلى فوضى وتدهور مهنى، وتخلى عن المسؤولية الاجتماعية للإعلام.

بصراحة لدينا إعلام متطور تكنولوجياً، ويعمل به الآلاف، وتُضخ فيه مليارات الجنيهات للإعلام والإعلان، ومع ذلك تتراجع مستويات المهنية والحرية، ويتحكم الإعلان، لأنه لا توجد تشريعات وقوانين منظمة أو نقابة للعاملين فى الإذاعات والقنوات والصحف الإلكترونية، فمتى يتغير هذا الوضع حتى يمكن أن نقيّم الإعلام، ونعرف بشكل دقيق هل هو ظالم أم مجرد ضحية؟

print