أتعجب من هؤلاء النواب الذين أعلنوا تأييدهم لبيان الحكومة قبل أن يتقدم به رئيس الحكومة إلى البرلمان. يطرح هؤلاء حجتهم بأنه «ليس من مصلحة الدولة أو الشعب أن يتم إسقاط الحكومة فى هذه المرحلة»، وهذا النوع من الكلام بقدر ما يعبر عن سطحية منطق الذين يرددونه، بقدر ما يعبر عن عموم فهم بعض النواب لحقيقة دورهم البرلمانى.
الأصل فى دور النائب فى تعامله مع بيان الحكومة، أن يستمع إليه ويدرسه، ويدقق فى كل ما جاء فيه، حتى يصل إلى يقين بأنه يعبر عن هموم الناس الذين انتخبوه، أم لا، وبالتالى يحدد موقفه فى منح الثقة للحكومة أو عدم منحها، وحين يقفز نواب على هذه المراحل ويقدمون فروض الطاعة والولاء قبل أن يسمعوا إلى ما جاء فيه، فهذا يعنى أننا أمام برلمان يريده البعض منبطحا، ونواب دخلوه بغرض الوجاهة عبر وظيفة مرموقة تضمن له دخلا ماديا وفيرا، وحظوظا عالية فى التعامل مع السلطة.
بعد بدء عمل النواب باستئناف جلساته، عرفت أخبارا عن تسابق نواب من أجل بث أخبار تخصهم لمقابلة وزراء، وحرصهم على التقاط صور مع هؤلاء الوزراء، والمصيبة أن هذا الحرص لم يكن من باب أنهم يريدون طمأنة ناخبيهم بأنهم يقابلون الوزراء مثلا من أجل بحث مصالح دوائرهم، وإنما يريدونها من باب التباهى بأنهم يقابلون وزراء، وهذا الفهم الذى يعبر عن دونية فى التعامل مع السلطة هو نفس الفهم الذى يقود إلى إعطاء الموافقات المجانية لأى سياسة حكومية.
يعطى هؤلاء النواب الموافقة لبيان الحكومة مقدما قبل أن يعرفوا ما فيه، وهنا نتساءل، ماذا لو وجد هؤلاء أن الحكومة ستعتمد على الوسائل الاقتصادية التى تجمع المال من البسطاء والموظفين بتحميلهم مزيدا من الضرائب؟ ماذا لو واصلت الحكومة سياستها التى تزيد من ارتفاع الأسعار؟ ماذا لو عجزت الحكومة عن تقديم سياسة محكمة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية التى قامت ثورتان من أجلها؟ ماذا لو وجد هؤلاء أن الحكومة تمارس سياسة تقود إلى تضييق هامش الحريات العامة؟ ماذا لو لم تضمن الحكومة حرية التعبير؟ ماذا لو بقى وضع الأحزاب بائسا على هذا النحو الذى نراه الآن؟ ماذا لو بقى هذا العزوف من الناس نحو القضايا العامة؟ ماذا لو بقى حال الفلاح على النحو البائس الذى يعيش فيه الآن؟ ماذا لو بقيت السياسات التى أدت إلى الوصول بقيمة عملتنا الوطنية إلى هذا الضعف المخجل؟ ماذا لو بقينا هكذا دولة بلا إنتاج، وبلا صناعة نتباهى بها أمام العالم.
وفى الإجمال، ماذا لو بقيت الحكومة بلا رؤية؟
تجاهل مجمل القضايا التى تحملها أسئلتى، يعنى بالضرورة مزيدا من تدهورنا، ويعنى أننا بلا طموح ينقلنا إلى غد أفضل، ويعنى أنه هناك من يصر على إبقاء سياسات نظام مبارك التى أورثتنا فسادا فى كل شىء.
النواب الذين يصدعوننا بأنهم يوافقون على بيان الحكومة قبل الإعلان عنه، هم متطوعون فى مجال المفروض أن ليس به مجال للتطوع، والحديث عن أن «المرحلة لا تتحمل ذلك»، هو نوع من بث السم فى العسل، وتأكيد على أنه لا تغيير جذرى، فمبارك كان تحت يافطة «الاستقرار» يترك المسؤولين فى مناصبهم لسنوات طويلة، وها نحن نجدد العهد باسم «المرحلة لا تتحمل ذلك».
سيحترمنا العالم حين يجد لدينا مجلسا للنواب يعرف وظيفته الحقيقية من خلال نواب لا يضعون أنفسهم فى خدمة الحكومة، وإنما يبقون تحت خدمة الناس، وليس شرطا أن تكون الحكومة فى خدمة الناس فى كل الأوقات.