ليس لى الحق فى أن أمنع أحدا من التضامن أو التعاطف مع المستشار هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزى للمحاسبات، فهذه رؤية شخصية لا علاقة لى بها، لكن حينما يتجاوز هذا التضامن ويتحول إلى أداة أو وسيلة للهجوم على الدولة المصرية وتصوير القرار الجمهورى بأعفائه عن منصبه استناداً لأسباب معلنة ومفهومة للجميع، على أنه دعم للفساد ومحاربة لرجل يقف فى وجه الفساد، فهنا الأمر يحتاج لوقفة.
لقد تابعت خلال الأيام الماضية مقالات وآراء لكتاب وسياسيين، من بينهم رئيس حزب النور السلفى، يونس مخيون، وهذه الآراء تسير كلها فى اتجاه واحد، وهى أن إعفاء جنينة يعطى رسالة غاية فى السلبية للمستثمرين تفيد بعدم استقلالية الأجهزة الرقابية، وهناك من تحدث عن عدم الإعلان عن الأسباب الحقيقية لإعفاء رئيس المركزى للمحاسبات، وكأنهم بعيدون تماماً عن الواقع، فهناك تقرير صادر عن لجنة تقصى الحقائق التى شكلها رئيس الجمهورية للتأكد من مدى صحة ما قاله جنينة لـ«اليوم السابع» بأن تكفلة الفساد فى 2015 بمصر بلغت 600 مليار جنيه، وانتهى التقرير الذى أعلن للرأى العام، إلى عدم صدق ما قاله جنينة، بل إن اللجنة التى ضمت أعضاء من الجهاز المركزى للمحاسبات اتهمته بأمور كثيرة، منها التضليل والتضخيم وفقدان المصداقية وأمور أخرى كثيرة، لكن للأسف هناك من لم يكلف نفسه ليقرأ هذا التقرير، وتجاهلوه كما تجاهلوا أيضاً البيان الذى أصدرته نيابة أمن الدولة الاثنين الماضى، وانتهى إلى أن الجهاز المركزى للمحاسبات غير معنى بتحديد الفساد، وأن البيانات الواردة من اللجنة فى هذا الإطار غير منضبطة، وأن تصريح رئيس الجهاز المركزى بشأن تكلفة الفساد فى مصر خلال عام 2015 يتسم بعدم الدقة، مع الإشارة إلى أن التحريات التى أجرتها الرقابة الإدارية توصلت إلى قيام هشام جنينة بجمع المستندات والتقارير والمعلومات والاحتفاظ بصورها وبعض من أصولها، مستغلا صلاحيات منصبه.
إنهم حملة المباخر ممن لا يقرأون سوى ما يريدونه فقط.. يعتبرون إعفاء جنينة رسالة سلبية، لكن لم ينطق أحد منهم ويقول هل ما قاله جنينة بأن تكلفة الفساد فى مصر خلال عام 2015 وصلت لـ 600 مليار جنية، رسالة سلبية أم إيجابية للمستثمرين الراغبين فى ضخ أموالهم بالأسواق المصرية، لم يقل أى منهم هل ما إذا قرأ مستثمر مثل هذا الرقم «الكاذب» المنسوب لرئيس أكبر جهاز رقابى فى مصر، هل سيفكر فى الاستثمار بمصر.. أيهما أكثر سلبية على مصر .. إعفاء من ثبت تورطه فى الإدلاء بأرقام لا وجود لها، أم الترويج لتكلفة فساد لا أساس لها؟.
الغريب أن من دافع عن جنينة وهاجم الدولة على قرار إعفائه لم يسأل نفسه سؤالا بسيطا، إذا كان جنينة برىء فعلاً، فلماذا لم يرد على ما جاء فى تقرير تقصى الحقائق، فقد مرت أربعة أشهر على إعلان التقرير دون أن نستمع لرد من جنينية الذى سبق وقال أنه سيكشف ما لديه بعد 25 يناير، فمرت 25 يناير ولم يتحدث جنينة ولم يُخرج ما فى جعبته من أوراق تدلل على ما قاله، لأنه لا يملك أى شىء، فما قاله ليس إلا إفك.
مشكلة هشام جنينة لا تكمن فى التصريح الصادم فقط، وإنما فى سياسته، فهو منذ أن عينه الرئيس المعزول محمد مرسى رئيسا للجهاز المركزى للمحاسبات فى السادس من سبتمبر 2012، وهو يحاول تسييس الجهاز، كما فعل فى نادى القضاة، فالجهاز فى طبيعته رقابى ولا علاقة له بالسياسة، لكن جنينة أراد له العكس، أراده سياسياً بالدرجة الأولى، بل إنه استخدمه فى أوقات للانتقام مع خصومه السابقين، ولا أعتقد أن أحد منا ينسى معركته مع المستشار أحمد الزند حينما كان رئيساً لنادى القضاة، حول ميزانية النادى، والسبب هو الخلاف بين الاثنين.
جنينة أخطأ ولا يمكن التجاوز عن خطئه، ومن يريد أن يدافع عنه فليبتعد عن ترويج الأكاذيب، خاصة إن الغالبية تعلم ولديها يقين كامل بأن جنينة لم يتعامل بحيادية أثناء رئاسته للجهاز، وانما تعامل وفقاً لأهوائه السياسية.