بالأمس كتبت حول ما أثير عن «وثائق بنما» التى أعلنت عنها صحف العالم مؤكدة أنها اخترقت عالم التجارة السرية والأموال الخفية حول العالم باختراقها لشركة «موساك فونسيكا» صاحبة الأنشطة المتعددة والتعاملات المالية الواسعة، وقلت فى مقال الأمس، إننى حاولت أن أستكشف حقيقة «إضافة» الكشف عن هذه الوثائق لمجريات التحقيق فى مصر مع أسرة مبارك، ولهذا استطلعت رأى أحد المسؤولين بشكل مباشر عن هذه القضية الذى قال لى، إن هذه الوثائق لن تضيف شيئا للتحقيقات لأن كل المعلومات التى تقدمها هذه الوثائق- حتى الآن وضع تحت كلمة حتى الآن ألف خط أحمر- ليست بالجديدة.
ولأننا للأسف واقعون فى حالة مرضية من التعصب والعنصرية فقد رأى البعض أن مجرد نشرى لهذا الرأى يعد جرما لا يغتفر، فكيف أعارض التوجه العام الذى كنت أنا أحد السائرين فى دربه وأحبط أمنيات ملايين المصريين؟ بينما رأى فريق آخر أن مجرد أن أؤكد أن علاء وجمال مبارك فاسدان وأنهما سرقا مال الشعب وأودعوه بنوك سويسرا افتراء على ابنى الرئيس السابق، وفى الحقيقة فإننى بعد خمس سنوات من يناير 2011 تعلمت أن أقول ما يرضى ضميرى ويفيد البلد فحسب، لا أضع فى اعتبارى رأى «ثورى» لا يرى من العالم سوى الجعجعة، أو «محافظ» لا يريد أن نلقى حجرا فى بركة الفساد الراكدة، وما الهجوم الذى أتعرض له فى كل مرة أعبر فيها عن هذا التوجه سوى ضريبة محببة أدفعها راضيا لمعنى أن تكون مستقلا.
«حتى الآن» فهذه هى الحقيقة المجردة، علاء وجمال مبارك «لصان» ووثائق بنما ستصبح «فشوش» إلا إذا قادتنا إلى طريقة تهريب وإخفاء هذه الأموال، واستطعنا أن نضبط أطرافا أخرى فى القضية واستطعنا من خلالهم أن نمسك بخيوط أخرى تقودنا إلى وثائق أخرى وأموال أخرى وأطراف أخرى، أما من يريدون أن يشيدوا قصورا من الأوهام للشعب المصرى ثم نستيقظ لنجد أنفسنا أسرى لبلالين الإلهاء فلا وزن لهم عندى ولا أهمية لما يريدونه، وفى الحقيقة فإن الحسنة الوحيدة «حتى الآن» للكشف عن هذه الوثائق هى أنها أيقظتنا لفكرة البحث عن أموال الشعب التى سرقها علاء وجمال مبارك وضخوها فى بنوك سويسرا بينما نحن الآن نكتوى بنيران اشتعال سعر الدولار، ولهذا نسأل جهات التحقيق فى مصر: لماذا حاكمنا جمال وعلاء مبارك فى قضية القصور الرئاسية فحسب بينما هم متهمون فى قضايا أخرى لم يقترب منها أحد، ولماذا لم نستعد أموالهم التى تقترب من «المليار دولار» المودعة فى بنوك سويسرا بينما نحن نتسول من البعيد والقريب؟ وإلى متى ستظل الأسئلة مطروحة والإجابات مفقودة، بينما الأفواه مفتوحة والأيادى ممدودة؟
هنا لابد أن نشير إلى أن هذه الوثائق أحدثت ضجة فى غالبية دول العالم ذات الصلة بها، لا لشىء إلا لأنها قدمت معلومات جديدة حقا عن الأنشطة التجارية السرية، لكنها لن تصبح ذات قيمة مماثلة فى مصر لأن مبارك تنحى منذ 5 سنوات وتم الكشف عن الكثير من الأسرار التى تخص فساده هو ونظامه وأبنائه، وأصبحت المعلومات المكتشفة غير ذات جدوى إلا إذا وقعت مفاجأة لم نتوقعها.