هل تُنهى القمة الإسلامية الخلاف المصرى التركى؟.. اليوم يوجد فى مدينة إسطنبول التركية وزير الخارجية، سامح شكرى، لرئاسة وفد مصر فى القمة الإسلامية، ليكون بذلك أرفع مسؤول مصرى يزور تركيا بعد ثورة 30 يونيو، ولا يعنى وجود شكرى فى إسطنبول أن صفحة الخلافات بين القاهرة وأنقرة تم طيها، لأن الزيارة فى مجملها تأتى فى إطار المشاركة فى القمة الإسلامية التى كانت تترأسها مصر، وستنتقل رئاستها اليوم إلى تركيا. مشاركة شكرى فى القمة تؤكد أن التمثيل المصرى فى الاجتماعات التمهيدية للقمة فاق التوقعات، ففى الاجتماع الوزارى شارك السفير هشام بدر، مساعد وزير الخارجية للشؤون متعددة الأطراف، بعدما كان الحديث يدور حول أن يقتصر التمثيل المصرى فى كل فعاليات القمة على مستوى «القائم بأعمال السفارة المصرية فى أنقرة»، لكن خابت كل التوقعات والتكهنات أيضًا، وزادت القاهرة من مستوى تمثيلها، وهو ما فسره البعض بأنها بداية لتحقيق انفراجة فى العلاقات المصرية التركية برعاية السعودية.
لست من المتفائلين بحدوث هذه الانفراجة، على الأقل فى الوقت الراهن، ربما لعدة أسباب، أهمها ثبات الموقف التركى من الوضع المصرى الداخلى، واستمرار تصريحات المسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم رجب طيب أردوغان، والتى تعد تدخلاً غير مقبول فى الشأن المصرى، وزاد على ذلك أيضًا أن عناصر جماعة الإخوان المطلوبين أمنيًا فى مصر على ذمة قضايا جنائية مازالوا موجودين فى تركيا، ويعيشون على معونات مالية توفرها لهم حكومة أردوغان المستمرة أيضًا فى دعم القنوات الفضائية الإخوانية التى توجه سهامها كل يوم تجاه القاهرة، وهو ما يقضى على أى أمل قريب فى تحقيق تقارب بين القاهرة وأنقرة.
ولا ننسى أنه خلال القمة العربية الـ26 التى عقدت بشرم الشيخ العام الماضى شارك فيها أمير قطر الشيخ تميم، واستقبله الرئيس عبدالفتاح السيسى استقبالًا حافلًا فى مطار شرم الشيخ، وهو ما اعتبر وقتها طيًا لصفحة الخلافات بين القاهرة والدوحة، لكن بعدما عاد القادة العرب كل إلى بلده عادت الأمور إلى طبيعتها، فقطر استمرت فى سياستها الداعمة للإخوان ومناكفة القاهرة، فهذا المثال دليل على أن مشاركة شكرى فى القمة الإسلامية لا تخرج عن كونها مشاركة بروتوكولية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالخلاف الاستراتيجى بين البلدان.
وليس خافيًا على أحد وجود مصالح استراتيجية مصرية ربما تستدعى تمثيلاً رفيع المستوى فى القمة، خاصة أنها ستناقش عددًا من القضايا والأزمات الإقليمية التى لا تريد القاهرة أن تنفرد بها تركيا، مثل الوضع فى سوريا وليبيا، وكذلك ملف الإرهاب فى المنطقة، ومكافحة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش، فمصر على دراية كاملة بالدور الذى تلعبه تركيا فى ليبيا وسوريا من خلال دعم جماعات وميليشيات مسلحة، وتحاول صبغها بالصبغة السياسية، وتريد اعترافًا على الأقل إقليميًا بدور هذه الميليشيات فى حل الأزمة، سواء فى ليبيا أو سوريا، وحال غياب مصر عن القمة فإن ذلك سيعطى أنقرة الفرصة لتحقيق ما تذهب إليه.
بالطبع هناك من يسعى للتوفيق بين البلدين كما قلت، وعلى رأس الساعين لتحقيق ذلك السعودية، فهى تريد إحداث تفاهم بين البلدين، على الأقل لمواجهة خطر الإرهاب والخطر الإيرانى الذى تعتبره المملكة الأولى بالمواجهة حاليًا.
لكن السعودية تعلم أن مهمتها صعبة فى ظل تمسك أردوغان بمواقفه السلبية من القيادة المصرية، وثورة 30 يونيو 2013، رغم ما يتعرض له حكم أردوغان من صدمات أفقدته القدرة على المناورة، خاصة بعد توتر العلاقات بينه وبين روسيا، وبعدها العراق وإيران، ومن قبلها إسرائيل التى تحاول الآن العودة إليها من خلال مفاوضات سرية استضافتها جنيف، وتحولت الآن إلى مباحثات معلنة، وليس أمام أردوغان الآن سوى تغيير سياسته الخارجية، والعودة مرة أخرى للمعادلة الصفرية التى تبناها بعدما اعتلى أحمد داود أوغلو وزارة الخارجية عام 2009.
إلى حين تراجع أردوغان، وتبنيه المعادلة الصفرية فى السياسة الخارجية، فإن الموقف سيظل متأزمًا بين القاهرة وأنقرة، ولن تفلح معه أى مسكنات.