سواء فى الانتخابات أو السياسة عموما، هناك تيارات تبحث عن الجانب الحاسم «أبيض/ أسود»، ولا تميل إلى التدرج، ويصعب على بعض هؤلاء تقبل نظريات «الزوايا المختلفة». هناك تطرف فى المقاطعة وتطرف فى الثورة فى الانتخاب فى الرأى. أما هؤلاء الذين يحملون وجهات نظر إصلاحية متدرجة يفقدون الآراء المتعصبة التى تريد حلا سهلا واضحا حتى لو كان مستحيلا. وفى كل التحولات الكبرى غالبا ما يكون النجاح نتاجا لتفاعل التطرف مع التدرج والإصلاح، بعد الصدام المتكرر.
وربما ينطبق هذا الأمر على حالة عمرو الشوبكى الذى خاض الانتخابات وهو متهم من كل الأطراف تقريبا من 25 و30، والإخوان والـ«توكشويين» والوطنى وغيرهم، فى مفارقة تكشف عن تأثيرات الإعلام والدعايات المختلفة فى صياغة عقول البعض. وكيف يمكن لأشخاص أن يصدقوا أن مرشحا واحدا يعمل فى وقت واحد لصالح الإخوان والأمريكان والسلطة والمعارضة والثورة، وأيضا الثورة المضادة.
اتهمه مؤيدو 25 يناير أنه متخاذل وأنه انضم للثورة المضادة، واتهمه الإخوان أنه انقلابى، واتهمه أنصار 30 يونيو أنه من معسكر25 يناير، فيما اتهمه أنصار الحزب الوطنى أنه إخوان وأمريكانى، ورأى بعضهم أنه من «الخونة»، مع أنه كان ضمن الهيئة الاستشارية لانتخابات السيسى.
عمرو الشوبكى انتقد تسلط مبارك وأيد 25 يناير، وبعدها كثيرا ما كان ينتقد التطرف والمعارك الفرعية أو تحويل الثورية إلى شتائم واتهامات. ثم خاض الانتخابات البرلمانية فى مواجهة مرشح الإخوان عمرو دراج، وفاز فى دائرة الدقى والعجوزة.
واجه الشوبكى حكم الإخوان ومرسى وأيد 30 يونيو، وما بعدها. وطوال الوقت كان إصلاحيا يميل للوسطية، ولديه وجهة نظر تبتعد عن الأشخاص وتقترب أو تبتعد حسب القضية، ورفض شخصنة المعارك، ربما لهذا لم يرض عنه أى من الأطراف المختلفة، ووجدنا آراء تعلن وتؤكد أنه هو الذى كتب برنامج الإخوان، وكان هناك دائما من لديه استعداد لتصديق كل هذا، بالرغم من أن الشوبكى كان فقط صاحب اجتهاد ورأى، لكنه لم ينجح فى كسب هؤلاء الذين يميلون لرأى واحد مريح، مع أن السياسة والحياة ليس فيهما هذا الحسم.
وبالرغم من أن كثيرين يتحدثون عن الوسطية والاعتدال فإن الاستقطاب كثيرا ما يكون أكثر شيوعا فى أوقات التوتر. والمفارقة أنه بعد يناير كان هناك أمل لبناء يشارك فيه الجميع، وظهر من يسمون «الوكيل الرسمى للثورة» من ائتلافات وتجمعات تاهت وتوهت الجمهور، وأتاحت الباب لمتطرفى الدين، ثم عدنا لنوع آخر من متطرفى 30 يونيو، لا يرون غير أنفسهم يكررون نظرية «الوكيل الرسمى»، لا يؤمنون بالتعدد والتنوع الطبيعى. وكأنه قدر أن يبقى الحال بعيدا عن الصوت الواحد.