قلنا مرارًا وتكرارًا إن نجاة المجتمع فى إعادة ضبط المنظومة الأمنية بالكامل، وفى مقدمتها طبعًا أجهزة وزارة الداخلية، وكررنا من قبل أن المتضرر الأكبر من عدم هيكلة وتغيير العقيدة الشرطية هى وزارة الداخلية نفسها، فرغم التضحيات الكبيرة التى يقدمها الضباط والأفراد المخلصون، يأتى فرد شرطة تافه أو أمين بلطجى يستقوى بسلاحه وبذلته الميرى ليهيل التراب على جميع الجهود التى تبذلها أجهزة الوزارة لتحقيق الاستقرار وحفظ الأمن ومواجهة الإرهابيين والخارجين على القانون.
أريد أن أعرف شعور وزير الداخلية وكبار معاونيه الذين يسهرون على أحوال البلد ويحققون نجاحات كبيرة فى صمت ويسقطون مؤامرات كبيرة وإرهابيين شديدى الخطورة فى ضربات استباقية، عندما يحرجهم ويضيع جهودهم شخص تافه يحمل سلاحا آليا وينتسب لأجهزة الشرطة، حدث هذا فى باب الخلق عندما قتل رقيب شرطة سائقا طالبه بثمن توصيلة أداها له، وهاهو يتكرر فى الرحاب عندما طالب بائع شاى بثمن الكوب الذى «طفحه» الأمين الطفس.
تتعمد مجموعات من أمناء الشرطة إظهار العنف والبلطجة فى التعامل مع المواطنين وكأنهم فئة فوق القانون، أو كأن دولة مبارك الأمنية المتعسفة لم تسقط، وكأننا لم نثر على مقدمات القمع الإخوانى فى 30 يونيو، وما حدث فى مستشفى المطرية من اعتداء على الأطباء موثق بالصوت والصورة، ليس الأول ولن يكون الأخير، ما دامت دولة أمناء الشرطة لم يلحقها الضبط والربط وسيادة القانون.
هل تذكرون كيف عطل أمناء الشرطة العمل فى أقسام الشرطة بمحافظة الشرقية واحتجزوا الضباط وأغلقوا البوابات بالجنازير؟ هل تذكرون احتلالهم لمديرية الأمن ولجوءهم للتجمهر والشغب، الأمر الذى دعا لانتشار القوات الخاصة فى محيط مديرية الأمن والأقسام، وانتهى الأمر بالتفاوض مع المشاغبين والبلطجية منهم وتحقيق بعض مطالبهم رغم مطالبتنا وقتئذ بضرورة تسريح جميع الخارجين على القانون من أمناء الشرطة وتحويلهم للمحاكمة العاجلة؟! لم يسمع لنا أيامها أحد، ولجأ المسؤولون إلى أسلوب الطبطبة والدلع والتراخى فى مواجهة بعض الأمناء الذين أصبحوا تنظيمًا حديديًّا داخل جهاز الشرطة له قياداته ووسائل اتصاله وطريقة التجمع الخاصة، ولا يتورع أفراده عن الخروج على القانون وإثارة الشغب والتجاوز، فى سبيل الحصول على ما يريدون من مكتسبات ومميزات أو الدفاع عن المخطئين من أفراد التنظيم، وقيادات الشرطة تعلم ذلك وتواجهه برفع رواتب الأمناء ومنحهم مميزات إضافية.
هذه الممارسات المتراخية أدت إلى انطلاق بعض الأمناء ليقيموا دولتهم داخل الدولة، يفرضون الإتاوات ويقيمون المشاريع من الباطن أو يشاركون أصحاب المحال التجارية بالمناطق الحيوية بالإكراه نظير عدم إيذائهم، أو تسيير الميكروباصات على الخطوط داخل القاهرة والمحافظات لصالحهم دون التقيد بضوابط واشتراطات المرور سواء بالنسبة للسيارات أو السائقين، مما خلق فوضى المرور وتجاوزات الصبية السائقين فى الشوارع، هذه الفوضى التى تسببت فيها دولة أمناء الشرطة.
لا بد من علاج ناجع لهذه الممارسات الخارجة على القانون من دولة أمناء الشرطة، والبداية بسرعة إقرار قانون الشرطة الجديد فى البرلمان، وتجريد أفراد وأمناء الشرطة من أسلحتهم إلا فى العمليات والمأموريات وتجريدهم أيضا من الغطرسة والسلطة الوهمية، فهم موظفون يعملون فى خدمة الناس وليسوا مماليك يستعبدون المواطنين ويستغلونهم ويفرضون عليهم الإتاوات.