كل شىء فيها مميز، كل شىء له طعم آخر، موسيقى تأخذك إلى عالم من الغرابة والسحر، أطعمة تسمع عنها لأول مرة وسط تأكيدات بأن من يأكلها خارج الحدود فإنه لم يجربها على الإطلاق، مئات الملايين يتجمعون تحت علم واحد، فى حين أن هناك عشرات الدول التى لا يتعدى عدد سكانها المليون لا تنعم بذرة استقرار مثلما تتمتع به الدولة الكبرى فى العالم، اقتصاد ينهض بطريقة أسطورية يؤكد لك أن الأساطير مازالت قابلة للحدوث وأن التنين لم ينقرض مثلما يدعى البعض، وإنما مازال حيا فى السواعد العاملة والروح الجامحة والذهن اليقظ.
وجوه تتقارب فى تكوينها فتشعر أن جميع المواطنين من عائلة واحدة، ليسوا آلات عمل كما يصورهم الغرب فى أحاديثه مشكلا صورة ذهنية خاطئة عن شعب يعتقد الكثيرون أنه يعمل على طريقة الريبوت، وليسوا متجهمين منغلقين كما تصورهم الأفلام الأمريكية التى تحتقر الآخر فى ما لم يرسم لأمريكا هالة القداسة، هنا شعب الصين الصابر الصامد المجتهد الجميل، هنا دولة الصين الشعبية، التى قفزت من قوائم الاحتضار إلى مصاف الدول الكبرى فاستحقت مكانتها بجدارة وأصبحت من كبريات دول العالم، وهى الكبيرة بتعداد سكانها وبحضارتها وفنها، وكبيرة بمكانتها الدولية والإقليمية.
فى مطار بكين كانت الصدمة الأولى، فهذه الدولة التى تضم ما يقرب من ربع سكان العالم لم نر فى مطارها زحاما ولا فوضى، شعرت فور نزولى من الطائرة أنه لا أحد فى المطار سوانا، وكنا ثلاثة صحفيين قادمين من مصر إلى بكين فى زيارة رسمية للدولة الكبرى فى العالم، الزميل عصام كامل رئيس تحرير موقع فيتو، والزميل هشام يونس رئيس تحرير بوابة الأهرام الإلكترونية، بالإضافة إلى كاتب هذه السطور.. قبل أيام قليلة استيقظت من نومى على صوت هاتفى يرن، وكان على الجانب الآخر «شروق» من السفارة الصينية فى القاهرة، استغربت الاسم ولولا تلك اللكنة الغريبة فى الحديث لاعتقدت أن الاتصال ليس أكثر من «مقلب» من أحد الزملاء، ثم جاء الصوت مبلغا بأنه قد تم اختيارى لأكون ضمن وفد مصرى سعودى سيزور الصين فى أواخر ديسمبر للاطلاع على المجتمع الصينى قبيل زيارة الرئيس الصينى إلى المنطقة، وما أن أنهى «شروق» حديثه حتى رحبت تماما بالفكرة وأبديت استعدادى للسفر وسعادتى به، معشما نفسى برحلة لن أنساها، وهو ما حدث بالفعل.
ينشر هذا المقال ضمن سلسلة مقالات عن رحلتى إلى دولة الصين الشعبية وقد خصصت يوم الجمعة من كل أسبوع لنشر حلقاتها.