هناك مدنيون يأتون من الخارج لذبح جنود الداخل أختتم حديثى عن حادثة «الفنية العسكرية»، وهى الحادثة الجريمة التى ارتكبها مجموعة من الإرهابيين، بهجومهم على الكلية يوم 18 إبريل 1974، مما أدى إلى مقتل 13 بينهم سبعة جنود استشهدوا أثناء مقاومتهم للمقتحمين، وكما أوضحت فى مقالاتى السابقة فإن أفراد التنظيم الذين نفذوا هذا الهجوم والمعروف تاريخيا باسم «تنظيم الفنية العسكرية» بلغت السذاجة بهم حد أنهم رأوا أن نجاح اقتحامهم للكلية سيكون بمثابة إعلان للخلافة الإسلامية، وذلك وفقا لكتاب «هاتف الخلافة» والذين يتضمن شهادة «أحمد الرجال» أحد أفراد هذا التنظيم، والكتاب تحرير وتقديم الدكتور كمال حبيب.
يتحدث «الرجال» عن أن المهاجمين ذهبوا إلى بوابات الكلية، ونفذوا الجزء الأول من الخطة ويقضى بأن يدعى محمود مرسى بألم فى بطنه، ويسأل الذين معه حارس البوابة عن أقرب مستشفى، وأثناء ذلك يتم وضع منديلا مبللا فى فم حارس البوابة رقم اثنين، ويتم طرحه أرضا ثم يتم ذبحه.
نفذ الإرهابيون المرحلة الأولى فى خطتهم، وكان حصادها المر ذبح خمسة جنود والاستيلاء على أسلحتهم، وبهذه الأسلحة دخل الإرهابيون إلى ساحة الكلية هائمين على وجوههم، لأنهم ببساطة لم يحددوا الخطوة التالية التى سيقدمون عليها، وطبقا لـ«الرجال»، فإن المقتحمين ساروا على غير هدى داخل الكلية إلى أن التحموا مع زملائهم من طلاب الكلية أعضاء التنظيم، وهكذا نفهم أن تنفيذ الخطة كان يعتمد فى جانب منه على تجنيد عناصر طلابية من الكلية.
وقعت اشتباكات عنيفة بين المقتحمين والمنضمين إليهم من الطلاب، وبين جنود وضباط الكلية المناوبين الذين فوجئوا بما يجرى، وبأن هناك مدنيين يأتون من الخارج لذبح جنود الداخل الذين يسهرون لتأدية واجبهم الوطنى.
المثير فى شهادة «الرجال» أنه يقدم بعض المعلومات التى تضعنا أمام علامات تعجب كثيرة حول طريقة تفكير هذا الصنف من الإرهابيين، والذين يستحلون دم الأبرياء بكل بساطة ودون أدنى درجة من الضمير، وحسب ما يقول، إنه سأل طلال الأنصارى أحد قيادات التنظيم بعد أن خرج من السجن: من صاحب فكرة ذبح الحراس؟، فأجاب بلا تردد: كارم الأناضولى، ثم سأله سؤال آخر، ولماذا الفنية العسكرية؟ ومن أقحمها فى الموضوع؟، فأجاب: «كارم كانت بينه وبين إدارة الكلية مشاكل فأراد ألا يمر الحدث قبل أن يثأر لنفسه بالقبض على قادة الكلية وإذلالهم»، ويعلق «الرجال» على ذلك بقوله: «معقول أن يكون العقل المدبر لمذبحة الفنية العسكرية بهذه السطحية والتفاهة والانتقام للذات باسم الدين».
أما كارم فهو الذى قاد التمرد من داخل الكلية الفنية العسكرية، وكان فى السنة النهائية بها، ووفقا لما يذكره كمال حبيب فى تعريفه بالكتاب: «تشير شهادات أعضاء الحركة أنه ضغط على صالح سرية للتعجيل بعملية الفنية قبل استكمال التخطيط الكافى لها، وكانت خطبته فى المحكمة التى كان يتم توزيعها على نطاق واسع بين الطلبة فى الجامعات، أحد مصادر الاحتجاج الإسلامى ضد الدولة، كما كانت أحد مصادر الترويج الواسع لفكر السلفية الجهادية».
صدرت الأحكام فى هذه القضية ببراءة خمس وسبعين فردا، وبالسجن للبعض الآخر، وبإعدام ثلاثة هم، طلال عبدالمنعم الأنصارى، وصالح سرية وكارم الأناضولى، وتم تخفيف الحكم على طلال ليصبح السجن عشرين عاما بدلا من الإعدام.
فى الكتاب سيطل اسم «حسين الشافعى» نائب رئيس الجمهورية وقت السادات وأحد قيادات ثورة 23 يوليو 1952، فى محاولة لرمى القضية عليه، وسنقرأ اسم زينب الغزالى إحدى قيادات جماعة الإخوان التى تم القبض عليها فى محاولة إحياء الجماعة على يد سيد قطب عام 1965، فحينما رأت طلال أثناء التحقيقات بصقت عليه، ويعلق الرجال على ذلك بسؤاله حول ما إذا كان البصق نوعا من العتاب، عتاب القائد لمرؤوسه لعدم الاحتراز والتخطيط السليم، مما أدى لفشل العملية، أم خدعة أمام رجال أمن الدولة؟