المصريون أهل حضارة، وللحضارة تجليات منها أنهم يعرفون أن الأيام لله يقدس منها ما يشاء ويبارك فيها لمن أراد، لذا يحتفلون جميعا بأيام الله لا فرق بين مسلم ومسيحى، وفى هذه الأيام يبدأ الأقباط الاحتفال بأسبوع آلام السيد المسيح، واليوم هو «أحد السعف أو أحد الشعانين» حيث نلجأ للنخل نمد أيدينا إلى قلبه وبرفق ننزع «جريدة أو اثنتين» لهما لون أصفر.. نأتى بهما من قلب النخلة كى يكون السعف لينا فتلين قلوبنا.. نعصّب بالسعف رؤوسنا وأيدينا وتصنع أمهاتنا لنا فوانيس رمضان وتصنع عماتنا الصلبان الصغيرة وساعات وخواتم وأحصنة وجمالا.
أحد السعف هو يوم «الأحد» السابع من الصوم الكبير والأخير قبل عيد الفصح أو القيامة، ويسمى الأسبوع الذى يبدأ به أسبوع الآلام، وهو يوم ذكرى دخول يسوع إلى مدينة القدس، ويسمى هذا اليوم أيضا بأحد الزيتون لأن أهالى القدس استقبلوا المسيح بالسعف والزيتون، لذلك يعاد استخدام السعف والزينة فى أغلب الكنائس للاحتفال بهذا اليوم، وترمز أغصان النخيل أو السعف إلى النصر أى أنهم استقبلوا يسوع كمنتصر.
فى السنة السابعة عشرة من حكم الإمبراطور طيباريوس الموافق لليوم الخامس والعشرين من شهر مارس، بمدينة أورشليم حكم بيلاطس، والى ولاية الجليل، على يسوع الناصرى بالموت صلبًا، بناء على الشهادات الكثيرة المقدمة من الشعب المثبتة أن يسوع الناصرى مضل يسوق الناس إلى الضلال، وأنه يغرى الناس على الشغب والهياج، وأنه عدو الناموس، وأنه يدعو نفسه ابن الله، وأنه يدعو نفسه ملك إسرائيل، وأنه دخل الهيكل ومعه جمع غفير من الناس حاملين سعف النخل، فلهذا يأمر بيلاطس البنطى كونيتيوس كرينليوس قائد المائة الأولى أن يأتى بيسوع إلى المحل المعد لقتله، وعليه أيضا أن يمنع كل من يتصدى لتنفيذ هذا الحكم فقيرًا كان أم غنيًا.
لم يدخل المسيح، عليه السلام، إلى القدس حاملاً سيفًا، لكنه دخل يركب حمارًا ومعه من أحبوه من الفقراء يحملون جريد النخل علامة الاستقبال الجيدة، لم يكن للأغنياء ولا للمتكبرين مكان فى هذا الجمع المعبر عن المحب والمنتظر للخلاص، لكن أشرار اليهود كعادتهم منذ قديم الزمان يؤذون آيات الله فى الأرض ويسعون فسادا بين الخلق، فملأوا قلب الحاكم بالخوف، وقالوا على «المخلص» إنه مشاغب يثير الفتن ويسعى لتأليب الناس ضد الساسة والسياسيين والقيصر.
ومن يومها والناس يخرجون حتى يومنا هذا بسعف النخيل، تضامنًا مع المسيح واحتفالًا بمقدمه الطيب.