كل المؤشرات تؤكد أن هناك اتجاه لطرح عدد من مواد الدستور التى تتعلق بصلاحيات الرئيس للتعديل على البرلمان القادم، وأن هناك اتجاه بدأ بالفعل لتبنى عدد من الأحزاب والقوى السياسية لهذا الاتجاه داخل المجلس القادم، اقتناعا منهم (أن تلك المواد قد تقلص كثيرا من صلاحيات الرئيس، وتغل يده فى كثير من الأمور التى كانت مطلقة فى أيدى كل رؤساء مصر السابقين، فى مقابل منح سلطات أوسع للبرلمان) وهى حقيقة واقعة بالفعل، رأت لجنة الخمسين التى أدخلت تعديلات على الدستور 2012 فى وقتها، أنها تصنع نظاما أقرب إلى البرلمانى، يكون فيه لمجلس النواب سلطات أوسع من تلك الممنوحة للرئيس فى تحديد القرارات المصيرية للبلاد .. وهى مواد تقلق بالفعل أى رئيس .. لأنها تجيز سحب الثقة منه، ومحاكمته، وتقلص سلطاته فى إقالة الحكومة، وحل المجلس، وإعلان الحرب، وفرض حالة الطوارئ، ورهنت كل ذلك بموافقة ثلثى أعضاء البرلمان .
ورغم تعبير الرئيس عن قلقه من تلك المواد علنا خلال الأسبوع الماضى، مؤكدا (أن الدستور قد وضع بنوايا حسنة ، وأن النوايا الحسنة لا تصنع دولا) وبدء بعض القوى الحديث فى هذا الأمر بشكل علنى، إلا أننى هنا لست مع الموافقة بشكل مطلق على تعديل كل المواد التى تتعلق بصلاحيات الرئيس بشكل كامل، ومنح سلطات مطلقة للرئيس، ولكننى مع التوافق على تعديلات تمنح له (وليس لغيره) وبشكل مؤقت، طبقا لمتطلبات المرحلة، وبشكل يمكنه من مواجهته المؤامرات التى تحيط بالبلاد داخليا وخارجيا، والدفع بعجلة الاقتصاد والتنمية فى البلاد، بعيد عن النفاق والتملق وصناعة ديكتاتور جديد، على الرغم من ثقتى الكاملة فى الرجل ونواياه الطيبة.
والقارئ لصلاحيات الرئيس فى الدستور الذى عدلته لجنة الخمسين برئاسة عمرو موسى منذ شهور ، يكتشف أن المادة 159 قد منحت البرلمان الحق فى اتهام الرئيس بانتهاك أحكام الدستور، و بالخيانة العظمى، و أية جناية أخرى، بناء على طلب موقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، على أن يصدر قرار الاتهام بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس .
كما أجازت المادة 161 من الدستور اقتراح سحب الثقة من الرئيس، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بناءً على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، وبمـوافقة ثلثى أعضائه، وقـد تؤدى فى النهاية إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة .
منحت المادة 123 من الدستور، البرلمان سلطة إقرار القوانين بموافقة ثلثى الأعضاء، دون النظر إلى اعتراض الرئيس، فى حالة عدم رده القانون المعترض عليه للمجلس خلال 30 يوما من إرساله إليه.
كما قيدت المادة 137 يده فى حل المجلس، إلا فى حالة الضرورة، وبقرار مسبب، وبعد استفتاء الشعب، ومنعته أيضا من حل المجلس لذات السبب الذى حل من أجله المجلس السابق
كما منعت المادة 147 الرئيس من الحرية التى كانت مطلقة لكل الرؤساء السابقين، فى إعفاء الحكومة من أداء عملها، وشرطت بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، كما منعه ذات المادة من إجراء أى تعديل وزارى إلا بعد موافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين، وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس.
كما حدت المادة 152 من الدستور من السلطات المطلقة للرئيس التى كانت مخوله لسابقيه، فى إعلان الحرب، وإرسال القوات المسلحة بشكل مطلق فى مهمات قتالية خارج البلاد، حيث أصبح لا يستطيع أن يعلن أن يقوم بذلك إلا بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثى الأعضاء.
كما حدت المادة 154 من السلطات التى استخدمها أغلب رؤساء مصر السابقين، فى إعلان حالة الطوارئ ، وجعلتها مرهونة بعرض الأمر على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه .. كما فرضت المادة على الرئيس، أنه فى حاله ما حدث الإعلان في غير دور الانعقاد العادى للبرلمان، وجب عليه دعوته للانعقاد فورًا لعرض الأمر عليه ، واشترطت المادة أيضا موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ .. كما منعت الماده الرئيس أيضا من حل مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ.
و منعت المادة 156 الرئيس من الانفراد بإصدار القوانين ، حتى فى حالة عدم وجود أو غياب مجلس النواب .
المتدبر لتصريحات الرئيس وقلقه من مواد الدستور التى وضعت بحسن نية ـ على حد تعبيره ـ سوف يجدها مقرونة بمناشدته الرئيس أيضا للمصريين بالتدقيق والنزول لاختيار برلمانا يساعد فى بناء الوطن ، وهو ما يعنى أن الرجل يتطلع إلى برلمان يستوعب طبيعة المرحلة ، ويتفهم الاتجاه لطرح التعديلات على مواد الدستور التى تتعلق بصلاحياته ، وهو السيناريو المطروح ، الذى بدأت الدعوى له بالفعل ، وبدا بالفعل وكأنه أمر واقع ، والذى أتمنى ألا تكون سوى تعديلات مؤقتة تمنح له وليس لغيره ، تلبى متطلبات المرحلة ، ولا تعود بنا إلى الوراء ، وصناعة ديكتاتور جديد ، على الرغم من ثقتنا فى نوايا الرجل .. ودعونا ننتظر.