الصحفيون ليسوا كائنات من عالم آخر، هم من المجتمع بكل مواصفاته وميزاته وتنوعه وتناقضاته، نقول هذا بمناسبة جدل يظهر فى فترات مختلفة يروج أن الصحفيين يضعون أنفسهم فوق المجتمع ويريدون معاملة خاصة. وهى اتهامات تظهر فى أوقات الأزمات، التى تكون الصحافة طرفا فيها. وطوال 75 عاما خاضت الصحافة معارك ومواجهات، كانت دائما لصالح حرية الرأى والتعبير للجميع وليس للصحفيين وحدهم.
الآن بعد اقتحام الأمن لنقابة الصحفيين والقبض على زملاء، تسود حالة دعائية أن الصحفيين يرفضون تطبيق القانون, وأن القبض تم بناء على إذن نيابة، بينما من اتخذ قرار دخول النقابة بهذا الشكل هو من تسبب فى الأزمة وتجاوز القواعد التى ظلت تحكم العلاقة مع الدولة. مع الأخذ فى الاعتبار أن وقائع مشابهة حدثت من قبل، كانت تجد لها مخرجا فى سياق خيوط ممتدة، وقواعد حاكمة ليس فيها هذا الصدام أو الحصار الغشيم واستعراض القوة فى مواجهة كان يمكن حلها بالقانون.
هذه التصرفات تتراكم لتصنع مخزونا من الغضب والصدام، وتراهن على شق الصف وهى رهانات لم تنجح من قبل، ولا يتوقع نجاحها هذه المرة، لأن الصحفيين طوال عقود ظلوا يعتبرون النقابة هى الجدار الذى يلوذون به، ويتمسكون بوحدتهم فى مواجهة الأطراف المتطرفة فى السلطة التى كانت دائما تعتبر الصحافة عدوا وتميل إلى الإجراءات والتشريعات الجسدية، الحبس والسجن. فيما كانت حرية الرأى والتعبير تنتصر فى مواجهة التيارات المتطرفة، وحتى هؤلاء الذين اعتادوا أن يهاجموا الصحافة والتجاوزات فى النشر، لو راجعوا مواقفهم يجدوا أنهم لمعوا وصعدوا فى الصحافة والإعلام.
الصحفيون لا يريدون معاملة خاصة ولا يرفضون تطبيق القانون، كما يحاول البعض تصوير الأمر، لكن هناك قواعد حاكمة يفترض أن تلتزم بها كل الأطراف من دون تمييز.
وكما أشرنا دائما تغيرت الدنيا، وأشكال السلطة شهدت تحولات تستلزم تغييرا فى الذهنية التى تفتقر للسياسة، وتفتقد التفرقة بين الحسم فى تطبيق القانون والمبالغة والتضخيم، ومواجهة الفعل الصغير برد فعل عنيف لا يتناسب مع الفعل.
وما ينطبق فى تحول السلطة والتعامل على الأمن والسلطة، ينطبق على الصحفيين أنفسهم، حيث تظهر أحيانا حالات شخصنة، ويتحول الخلاف فى الرأى حول أى قضية إلى ملاسنات وشتائم واتهامات، ويغيب الحوار لصالح الصدام والشتائم. وربما تكون القسمة والتفتيت هى أخطر ما يواجه الجماعة الصحفية، حيث تظهر الصراعات الشخصية والانتخابية والحزبية، على حساب مصالح الجماعة الصحفية.
هناك تغيرات كثيرة تتطلب استعادة روح الوحدة والحوار، وعدم الانجراف فى صراعات يخسر منها الجميع.