كريستينا فرنانديز، رئيسة الأرجنتين، كعادتها ألقت كلمة مثل الصفعة أمام زعماء العالم فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، كأنها نزعت عنهم ورقة التوت، ووضعتهم أمام مرآة أنفسهم، فسقطت الأقنعة الشمعية، وماسكات الزيف التى وضعوها على وجوههم وهم يمثلون شعوبهم على كوكب الأرض المنكوب بالساسة، والمحكوم بعصابات المصالح وقوى الشر، وعلى رأسها الدولة التى على أرضها مقر المنظمة الدولية.
كريستينا تحدثت بحماس وجرأة، استحقت عليهما أن تنتزع تصفيقًا حماسيًا من أغلبية الحضور، وكم كنت أتمنى لو أن الكاميرا رصدت رد فعل أوباما أو النتنياهو، أو زعماء الدول الكبرى التى تشكل خارطة العالم حسب مصالحها، والأرصدة المتراكمة فى بنوكها.
كريستينا قالت بوضوح إن ما يسمى العولمة ليس إلا خدعة أو مؤامرة من الذين أطلقوا هذه النظرية تحت مبرر تقريب العالم وإنسانيته، بينما جوهر العولمة ليس إلا تجسس الدول الكبرى على الصغرى، والتحكم فى مصائرها، وهذه الدول لا هم لها إلا أن تتحول الدول الفقيرة إلى سوق تستهلك ما تلقى به دول الشمال، وقالت إن العدل مع الرأسمالية الجشعة مستحيل.
وبطريقة المسرح ألهبت كريستينا القاعة الكبيرة عندما ألقت بكرة نار كبيرة فى وجوههم بسؤال يمثل ذروة المونولوج، فقالت: هل يمكن أن يفسر لى أحدكم كيف تضخم تنظيم داعش الذى يمزق الدول، ويرتكب أكبر جرائم العصر تحت مبرر الأصولية المتطرفة؟، هل يمكن أن يفسر لى أحدكم كيف يتم تصوير جرائم التنظيم وكأنهم يمتلكون استديوهات هوليوود، ويتعمدون بث صور القتل والذبح لأهداف خبيثة؟!
نحن لسنا أمام تنظيم لا يعمل بمفرده، بل نحن أمام تنظيم تموله دول عديدة، وهذه الدول أرادت استخدام هذه الجماعات الإرهابية لأهداف سياسية، وأنتم جميعًا مسؤولون عن كشف المسؤول عن تمويل هذا التنظيم، وارتكاب مثل هذه الفظائع، نحن أمام اختلاط المعايير، وفساد المعانى، وسطوة إعلام يروج لأكاذيب يتم تسويقها لإبعاد الحقائق، وتغيير البوصلة عن القضايا الحقيقية التى تعانى منها شعوبنا بسبب سياسيات الإفقار والتجويع التى تجنى ثمارها عبر خطط شيطانية الشركات العابرة للقارات.
واختتمت كلمتها بتوجيه تحية لكوبا ورئيسها راؤول كاسترو الذى يحضر لأول مرة بعد عقود من سنوات الحصار الأمريكى على كوبا، واعتبرت حضوره انتصارًا لدول أمريكا اللاتينية التى تفخر بأنها تنتمى لها، وكأنها أرادت توجيه صفعة أخيرة للغطرسة الأمريكية بعد أن لقنتها درسًا فى الكرامة والضمير، وفضحت دورها فى توريط العالم وانقسامه، وإغراق الشرق الأوسط فى حروب وخراب لأجل عيون تجار السلاح، وربيبتها إسرائيل.
إن ماقالته رئيسة الأرجنتين يمثل صرخة المظلوم فى وجه الظالم، وقالته بوضوح يجعلها فخرًا لكل بنات حواء على الأرض، لكن ما قالته بين سطور خطابها أكثر عمقًا، وهو ما سوف تشتغل عليه أجهزة مخابرات الدول الكبرى، ربما من قبل أن تقول كلمتها التى بدت أنها عفوية وبدون ورقة وقلم.. إننى أحيى كل مواطن أرجنتينى فى صورة هذه السيدة التى تساوى ألف رجل، بل يزيد.