عندما يتدخل مسؤول أمريكى فى أزمة داخلية مصرية، لابد أن أتحسس مسدسى، لأن خارجية أوباما لا تريد الخير لبلدنا ولا تدع أى فرصة لإشعال الأوضاع إلا وانتهزتها، ولايأتى منها إلا المصائب، هذا أول انطباع عن محاولة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى الزج بنفسه فى الأزمة بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية، فالأزمة فى كل الأحوال شأن مصرى داخلى ولا نحتاج الخارجية الأمريكية، أو حتى تعليق كيرى التحريضى ليعرفنا كيف نتصدى لها، خاصة إن سجلات واشنطن فى التعامل مع الصحفيين سوداء كالحة خارج أو داخل أمريكا.
الوزير الهمام جون كيرى يدس أنفه فيما لا يعنيه عبر تغريدة خبيثة دعا فيها للتصدى لمن يعملون على إرهاب وتخويف الصحفيين، بل يذهب كيرى بعيدا فى المزايدة، وكأن بلاده ليست صاحبة سوابق فى قتل وإرهاب الصحفيين، بقوله «كشف الحقائق ليس عملا إجراميا، بل هو وسام شرف وخدمة للشعب».
نعم يا سيد كيرى: أصبت، ولكن ماقلته «حق يراد به باطل»، فأنت آخر من يهتم باستقلال الصحافة المصرية، وبلدك آخر من يدافع عنا فى مواجهة الداخلية، فهى فى النهاية أزمة وخلاف بين مؤسسات مصرية، ويمكننا حلها بمعرفتنا، لا نريد دعما منك ولا تحريضا، كما أننا لم نطلب منك التدخل، وإذا كان بعض من المحسوبين على الجماعة الصحفية هللوا لكلماتك أو أعادوا استخدامها، فقد فعلوا ذلك بحسن نية، لكنهم حتما سيلتفتون إلى ما فيها من سم وتحريض وفتنة، وسيعملون عكسها.
وأود فقط أن أنعش ذاكرة الوزير كيرى، بأن بلاده هى التى اخترعت التفتيش فى ضمائر الصحفيين والكتاب، من خلال لجنة مكارثى الشهيرة، التى لاحقت المختلفين منهم وفصلتهم من أعمالهم ومنعتهم من العمل أصلا، حتى مات كثير منهم جوعا أو انتحارا أو عملوا فى مهن يدوية شاقة بأسماء مستعارة، وإذا كانت لجنة مكارثى شاهدا فجا على الإرهاب الأمريكى للصحفيين والكتاب، خلال القرن العشرين، فقد تطور هذا الإرهاب خلال السنوات القليلة الماضية، حتى وصل إلى قصف المقرات الإعلامية بالطائرات أثناء غزو العراق، واستهداف الصحفيين بالقتل العمد واعتقال غير المتعاونين منهم فى معتقلات المغول الجدد فى أبو غريب وجوانتانمو، كما شهدت الولايات المتحدة نفسها أسوأ الاعتداءات على الصحفيين والمتظاهرين فى احتجاجات فيرجسون الشهيرة 2014، عندما فتحت الشرطة النار عشوائيا على المتظاهرين والصحفيين المتابعين لها، رغم ارتدائهم ما يميزهم ويشير إلى هوياتهم.
أسأل الوزير جون كيرى.. هل سمعت بالصحافى تيسير علونى؟ هل علمت أنه تم اعتقاله ووضعه مع المجرمين الخطرين فى معتقل جوانتانامو لسنوات؟ وهل تعلم أن كل تهمته أنه رفض التعاون مع سى آى إيه، والقيام بعمليات لحسابها؟ ماذا تسمى ذلك يا سيد كيرى؟ وهل لديك الجرأة لتصف إجراءات بلادك ضد علونى والعشرات غيره من الصحفيين بالإرهاب؟ وهل خرجت يوما مدافعا عن حرية الصحافة والصحفيين فى بلادك؟
اسمع يا سيد كيرى، نقابتنا.. نعرف جيدا كيف نحمى استقلالها وحريتها ضد تغول السلطة التنفيذية، ونتخذ ما نراه من إجراءات تصعيدية لمواجهة تجاوزات الداخلية، لكنك مدعو للصمت التام فى هذه الأزمة لأنك آخر من نحتاج لسماع صوته أو الاسترشاد برأيه.