فيما كانت أنظار قطاع كبير من الجماعة الصحفية تتجه صوب البرلمان، لمعرفة إجراءات نواب الشعب بشأن أزمتهم مع وزارة الداخلية، سواء عن طريق وساطة لتهدئة الأوضاع، أو تخصيص جلسة لمناقشة معركة تدور رحاها بين مؤسستين غاية فى الأهمية، بل ومكملتين لبعضهما معظم الوقت، لم تكن هناك الأمور بالشكل، الذى يتوقعه متابعى الأزمة، أو حتى بالطريقة المنطقية، التى تقول إن برلمان الشعب مخول بنزع فتيل الأزمات، ونوابه نواب لكل فئات المجتمع، وليسوا نوابًا عن فئة بعينها، تمتلك من السلطة والقوة ما يجعلها فى غنى عن الانحياز الكامل لموقفها !
بشكل مقتضب تحدث بعض نواب الشعب عن الأزمة، فقال معظمهم عن الصحفيين ما لم يقله مالك فى الخمر، كما لم تخل الخطب من عبارات السب والتخوين، متناسين أن دور الصحافة فى حماية الوطن وقت المخاطر يفوق أدوارهم مجتمعين، يوم أن كانوا يجلسون فى منازلهم، بينما يبحث الصحفى عن المعلومة والصورة وسط الرصاص والتفجيرات، وهناك كان زميله يخاطب العالم عن الأوضاع فى مصر، ما أسهم فى تثبيت أركان الدولة، والنظام الحالى ذاته، فأى مزايدة هذه، وأى إنكار يحدث؟!.
سمات عدة ظهرت على وجوه من تحدثوا، وبدت واضحة فى كلمات البعض، حملت كلها الكثير من المزايدة والقليل من العقل، السعى نحو مساندة السلطة، قبل السعى نحو حل الأزمة، محاولات التقرب من القوى، وإنكار حق الطرف الثانى حتى فى سماعه، اختفاء عبارات التهدئة، واستدعاء البعض مصطلحات التسخين وصب الزيت على النار، فيما وجد آخرون فى الأزمة فرصة سانحة للاصطياد فى الماء العكر، وتوجيه ضربة قاصمة لمهنة القلم المزعج، والكاميرا الفاضحة، فتحدثوا عن منع الصحفيين من التغطية، وكثير من عبارات القرون الوسطى، فضلا عما يحمله حديث هؤلاء من عدم وعى بالدستور والقانون، الذى يخول للصحفى العمل بأمن وأمان، والحصول على المعلومة بسهولة ويسر، لكن ماذا نقول فى أحلام كارهى القلم والكاميرا؟!
كنت ممن استقبلوا خطابات النواب بشأن الأزمة بغرابة، وفى كلمات آخرين بهيستريا ضحك، غير أن هناك من تحدث عن أزمة بين مؤسستين، ليس فقط بالانحياز لواحدة، بل بالتحريض على الأخرى، وصل لدعوة المجتمع لذبح الصحفيين !
يا الله !.. ماذا يحدث؟.. ما هذا الذى تنطق به جالسة على مقعد عظيم سبقتها فيه سيدات عظيمات، كن ينطقن الحكمة، ويتحدثن بعقل يفوق حجم استيعاب كثير من الرجال؟!
كثير ممن تحدثوا نطقوا بجمل تنم عن مشكلات نفسية قديمة مع مهنة الصحافة، غير أن النائبة نعمت قمر قالت بصراحة وبالنص: إن "الصحفيين عايزين يندبحوا"، فى تحريض علنى على فئة من المجتمع، وهنا لم يستوقفنى أى شىء يتعلق بنائبة سمعت عنها يوم حديثها، وبعده قرأت عن تاريخ كوميدى لا يتسع المقام للخوض فيه، سوى تساؤلات مفادها، كيف أن البرلمان المصرى، أصبح بداخله من يحملون الفكر الداعشى، ومن ينطقون بالمخالفة للقانون بل والإنسانية، ومن يدفعون المجتمع لارتكاب جرائم قتل؟!
لم يشغلنى فى حديث الجميع سوى تحريض "نعمت"، وسألت نفسى لماذا لم يستوقفها رئيس البرلمان رجل القانون، ولماذا لم يستنكر أحد أفكار الذبح الداعشية، فيما زاد غضبى عندما عاد ذهنى، لبرلمان 2010 الساقط بأمر الشعب، الذى شهد حديثا لنائب عن ضرورة ضرب المتظاهرين بالرصاص، غير إنى وجدت وقتها أن معظم النواب استنكروا ما تحدث به الرجل، بل وأسمته الصحافة فيما بعد "نائب الرصاص"، فلماذا نحن أقل ديمقراطية من برلمان أسقطه الشعب، وكيف وصلنا بعد كل هذا الكفاح فى مهنة البحث عن المتاعب إلى أن يستبدل برلماننا المطالبين بضرب رصاص على المتظاهرين، بالمحرضين على ذبح الصحفيين؟!
السادة النواب.. لحضراتكم جميعًا أن تختاروا الصمت على دعوة الذبح على مذهب النائبة نعمت، ولبعضكم أيضا خيار الاستمتاع به، غير أن معلومة تغيب عنكم أردت توصيلها، تقول إن من يعمل فى هذه المهنة يعلم جيدا أنه سيصطدم بمن يحملون الأفكار السوية، ومن يعتنقون أفكارا منحرفة، ومن يتميزون بفقر الفكر، ومن يتمتعون بفكر الفقر، لذا يكون صدره متسعا دائمًا لجميع الدرجات، فلن يكونوا أصعب عليه من فاسد يسعى للبطش به، أو صاحب أموال مسروقة يريد رقبته، فقط.. حزننا على دولة القانون، وعلى تضحياتنا الجليلة والكثيرة، التى لم تقرأها جيدا نائبة الذبح.
وأخيرًا نقول إن الكرة بملعب البرلمان، فإن أردتموها معركة يخرج منها منتصر ومهزوم، فهى لكم، وإن شئتم سميتموها خلافا به من الأمور الغامضة أكثر من المعلنة، وعليه وجب التروى قبل إصدار الأحكام، وإعلاء شعار النقاش والتفاوض، قبل الاهتمام بتوجيه ضربة قاضية لطرف، سيدفع الوطن ثمنها لاحقا من حريته وحقه فى المعرفة.