الفن سلاح مصر لكسر العزلة الأوروبية نحن أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول أن نتحدث مع العالم بلغة يفهمها فنصير جزءا منه ويصير جزءا منا، والثانى أن نتحدث مع أنفسنا لغة لا يفهمها أحد فنصير فى عداد المخبولين المجاذيب.
نحن جربنا كل الطرق الممكنة، لكننا للأسف لم نجرب حتى الآن طريق الثقافة، وقد استبشرنا خيرًا حينما أعلنت الدولة أن هذا العام هو «عام الشباب»، وأن قصور الثقافة ستنال الحظ الأوفر من الرعاية، لكن للأسف حتى الآن لم نر شيئا يتحقق على أرض الواقع، ولم نر إلا عملية ممنهجة للتنكيل بالثقافة والعصف بالشباب فى آن.
على النطاق الخارجى، تبرز أهمية التنمية الثقافية بشكل أكبر، فلدى مصر مؤسسات ثقافية كبرى منتشرة فى العالم، وعلى رأسها تأتى الأكاديمية المصرية بروما، وتبرز أهمية هذه المؤسسة تحديدا هذه الأيام التى تشهد تدنيا ملحوظا فى العلاقات المصرية الإيطالية بشكل عام والأوربية بشكل خاص، ولذلك فإنى أرى أنه من واجبنا الآن أن ندعم هذه المؤسسة بقوة غير مسبوقة لتمحو بعضا من الآثار السلبية التى تركتها قضية مقتل الشاب الإيطالى «جوليو ريجينى»، فقد يستطيع أى رئيس أو أى برلمان أن يقطع العلاقات السياسية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية مع مصر، لكن لا يستطيع أحد فى أوروبا كلها أو فى العالم أجمع أن يقطع العلاقات «الثقافية» مع مصر، وذلك لأن مصر تشكل جزءا أساسيا من ثقافة العالم، إذ يبدو قطع جزء من أجزاء الجسد الكونى أهون من انتزاع «مصر» من الوجدان الثقافى العالمى، ولهذا يبدوا اللجوء إلى الثقافة الآن خيارا استراتيجيا لا بديل عنه فى ظل اضطراب الوضع السياسى العام.
من ذا الذى يستطيع أن ينتزع عشرات بل مئات الأفلام التى تناولت مصر وتاريخها من وجدان العال؟ من يستطيع أن ينتزع قناع توت عنخ أمون من مخيلته؟ من يستطيع أن ينتزع كليوباترا من قلبه؟ من يستطيع أن ينتزع رأس نفرتيتى كأروع مثال للجمال الأنثوى؟ من ذا الذى يستطيع أن يمحو صورة طه حسين الذى كرمته فرنسا كأحد أنبغ من تعلموا بها؟ من يستطيع أن ينتزع حارة نجيب محفوظ أو لوحات محمود سعيد أو صرخات جورج حنين وفؤاد كامل وجورج صباغ وعبدالهادى الجزار؟ من ذا الذى يستطيع أن يقى نفسه من فتنة الأسر بجمال «محمود مختار» أو «آدم حنين» أو عبدالهادى الوشاحى؟ من ذا الذى يستطيع أن يهمل «ألف ليلة وليلة» أو يحذف «طبائع الاستبداد» أو يتجاهل تلك الصورة المتخيلة عن «الشرق الفنان» الذى تجلس مصر دوما على عرشه متربعة؟
شاء من شاء وأبى من أبى، ستظل مصر حاضرة فى الثقافة العالمية كأحد أروع المنجزات الإنسانية، وفى الحقيقة إن لم نحسن استثمار «ثقافة مصر» فى تحسين صورتنا وإزالة التشوهات التى لحقت بها، لا يحق لنا الانتساب إلى هذا الشرف المحفور فى أذهان العالم.