نحن أمام تقرير يعبر عن الوظيفة الحقيقية للمجلس قبل أيام انتفض أحد نواب البرلمان ضد وفد المجلس القومى لحقوق الإنسان، الذى كان يلبى دعوة للجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، قال النائب كلاما عجيبا لا يليق بمقام اجتماع يناقش قضايا تتعلق بحقوق الإنسان فى مصر ومجمل الانتقادات عليها.
الأصل فى نشأة ووظيفة المجلس القومى لحقوق الإنسان فى مصر،أنه ليس حكوميا فى وظيفته ورسالته، وبالتالى فإن جاءت تقاريره تأييدا للحكومة على طول الخط، وفى كل قراراتها ونهجها، فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فهذا يعنى أن وظيفته الأصلية انتهت، وبالتالى فإن النائب البرلمانى «أى نائب»، والمواطن العادى، «أى مواطن »، إذا وجد هذا المجلس يؤيد الحكومة على طول الخط، ولا يرصد مخالفتها فى المجال الذى نشأ من أجله، فعليه أن ينتفض ضده، أما وأن نجد الوضع على العكس من ذلك كما حدث من أحد النواب فى الاجتماع الأخير، فهذا يعنى أننا أمام من يجهل وظيفة هذا المجلس الذى نشأ من أجلها.
صحيح أن النائب محمد أنور السادات، رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، تصرف باحترام رافضا سلوك زميله، قدم اعتذاره، غير أن ما حدث يعد كاشفا لما عليه حال بعض نوابنا الذين أعطاهم الناخبون أصواتهم، ليدافعوا عن حقوقهم فى كل شىء، حتى لو كانوا يجهلون هذه الحقوق. التذكير بهذا الحدث ضرورى، ونحن على أبواب التقرير السنوى عن حالة حقوق الإنسان فى مصر، الذى يغطى حتى نهاية العام الماضى «31 ديسمبر 1915 »، وطبقا لما هو منشور فى الزميلة «المصرى اليوم» فى عددها الصادر أمس، فإن التقرير يرى «حالة حقوق الإنسان فى مصر تعانى من أزمة بسبب تحديات الإرهاب، وأعمال العنف والاغتيالات التى أدت إلى أن تتجاوز الأجهزة الأمنية فى العديد من الحالات، وعدم الالتزام بتطبيق القانون والدستور»، كما أوضح التقرير أن أهم ظاهرتين تم رصدهما تمثلتا فى ارتفاع معدلات القبض العشوائى، وزيادة مدة الحبس الاحتياطى تتجاوز العامين فى بعض الحالات، مما يتطلب تدخلا عاجلا لعلاج تلك الأزمة، وطالب بالتوقف عن عملية القبض العشوائى وإنفاذ القانون، وجدد التقرير مطالب المجلس بشأن قانون التظاهر بضرورة تعديل نصوصه للتوافق مع الدستور، والأخذ بمطالب المجلس فى نصوص القانون، الذى وضع عليه ملاحظات عقب إقراراه.
التقرير يشمل قضايا أخرى كثيرة، منها سجناء ومحبوسون لم يتورطوا فى جرائم وأعمال عنف، ومحبوسون احتياطيا على ذمة قضايا ما تتعلق بالشكاوى التى أرسلها المجلس إلى وزارات مختلفة بعد أن تلقاها من المواطنين، وجميعها تتعلق بحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية، وهناك وزارات ردت على هذه الشكاوى وأخرى لم ترد.
فى الإجمال، نحن أمام تقرير يعبر عن الوظيفة الحقيقية للمجلس القومى لحقوق الإنسان، ويكتب تقريره وهو يعى تماما التحديات والظروف التى تمر بها مصر، وتربصها القوى للإرهاب بها.
ولأن التقرير سيتم رفعه إلى رئيس الجمهورية ووزراء العدل والداخلية والنائب العام ومجلس النواب، فإن كل هذه الجهات معنية بدراسته والتعامل معه بجدية، غير أن ما حدث فى اجتماع لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان بهجوم أحد النواب على وفد المجلس القومى، يدفعنا تلقائيا إلى ترقب طريقة مجلس النواب فى التعامل مع هذا التقرير، حال عرضه للمناقشة والتقييم، وأمامنا فى ذلك طريقتان، واحدة كتلك التى حدثت بهجوم أحد النواب على «المجلس القومى» دون دراية للوظيفة الحقيقية لهذا المجلس، والأخرى أن تكون هناك مناقشة بناءة وموضوعية للتقرير، تساهم فى إصلاح أى أخطاء يرصدها لمؤسسات الدولة، وهناك فى مجلس النواب العديد من النماذج التى تتعامل مع مثل هذه التقارير على قاعدة البناء لا الهدم، الذى يسير بنا نحو ديمقراطية صحيحة تصون حقوق الإنسان وترتقى بكل مؤسسات الدولة.