فى مهنة الصحافة ليس هناك ما يسمى بالحيادية فى تناول الأحداث، وإنما هناك الموضوعية والمهنية. الحيادية وهم كبير ولا وجود له فى مهنة الإعلام عامة. كل وسيلة إعلامية لها انحيازات وتوجهات، تحددها ما يسمى بالسياسة التحريرية والميل السياسى والاجتماعى والثقافى لمالك الوسيلة، سواء كانت صحيفة أو قناة أو إذاعة.
الوهم الكبير الآخر الذى عشنا به لسنوات طويلة هو الصورة المزيفة لوسائل الإعلام الغربية، وما صدرته بأنها مهنية وموضوعية ودقيقة فى نقل الحدث.. إلى آخر هذه المصطلحات التى ثبت عدم صحتها على الإطلاق فى السنوات الأخيرة، وتحديدا فى السنوات الثلاث الأخيرة منذ 30 يونيو 2013 وحتى 19 مايو 2016 لحظة اختفاء الطائرة المصرية المقبلة من باريس.
لن أتحدث عن الجزيرة وسفالتها وانحطاطها السياسى قبل الإعلامى فى التعامل مع حادث الطائرة، فقد أصبح معروفا أن «الجزيرة» أداة سياسية منحازة بشكل سافر ومفضوح فى معركة مصر مع الإخوان ومع أعداء الخارج منذ ثورة يونيو، إنما الحديث هنا عن الإعلام الأمريكى الذى تمثله فضائية أمريكية شهيرة، ملأت الدنيا ضجيجا بمهنيتها ومصداقيتها وموضوعيتها ودقتها مع الأحداث الخارجية والداخلية، وهى الـ«سى أن أن»، التى تثبت فى كل حدث يتعلق بمصر أنها قناة تعبر عن الحقد والكراهية تجاه مصر، وتعكس وجهة نظر تيار سياسى داخل المطبخ السياسى الأمريكى لا يتمنى الخير لمصر، وما زال يتآمر عليها، وبالتالى لا يمكن الوثوق بها فى نقل الأحداث، وهذه المرة ومع حادثة الطائرة المصرية تكشف عن الوجه الردىء للإعلام الأمريكى، وتنشر ادعاءات باطلة، وتزعم انتحار قائد الطائرة، وهى نفس اللعبة القديمة التى مارسوها مع حادث الطائرة المصرية الشهيرة عام 1999 التى سقطت على السواحل الأمريكية.
وحتى لا تنسى الذاكرة المصرية الجريمة الأمريكية ضد الطائرة المصرية الرحلة 990 فى 31 أكتوبر عام 99 وراح ضحيتها 217 شخصا فى تحطم الطائرة البوينج بى767-300 التابعة لشركة مصر للطيران قبالة ساحل ماساتشوستس الأمريكى بعد نحو ساعة من إقلاعها، ولم ينج من الحادث أى من الركاب، وحتى تبعد السلطات الأمريكية تورطها فى إسقاط الطائرة ادعت ورددت وراؤها وسائل الإعلام الأمريكية أن مساعد الطيار، جميل البطوطى، تعمد إسقاط الطائرة والانتحار بسبب جملة قالها وهى: «توكلت على الله»، وهى جملة لا يقولها منتحر، وإنما يقولها إنسان يقوم بعمل صعب لا يتم إلا بمعونة الله، وحتى الآن لم يعرف المصريون الحقيقة فى سقوط الطائرة المصرية على السواحل الأمريكية، وأصبح ملفا يطويه النسيان، لكن الذاكرة المصرية لن تنساه أبدا، لأنه دليل دامغ على البلطجة الأمريكية.
وربما يكون هناك تقصير فى الأدلة الإعلامية المصرية بالخارج لتوضيح الحقائق للرأى العام الأمريكى والغربى، بأن شركة مصر للطيران من أقل شركات الطيران حوادث فى العالم، وأنه خلال 50 عاما لم تقع سوى حادثتين أو ثلاثة على الأكثر بالحادثة الأخيرة، فى حين أن هناك شركات غربية وأمريكية تتعرض لحوادث سنوية، دون أن نسمع أو نقرأ من وسائل الإعلام الغربية أى كلام فارغ عن أسباب الحادث.
وسائل الإعلام المعادية والمتربصة تمارس هوايتها الاستعمارية القديمة ضد مصر، رغم أننا فى هذه الحادثة الضحية، وازدواجية المعايير ما زالت قائمة، وأى حديث عن المهنية والموضوعية والمصداقية للإعلام الغربى والأمريكى، هو حديث مزيف وغير حقيقى ولن نصدقه، فالحملات الإعلامية ممنهجة وتتوازى مع الحملات السياسية، فكل مصيبة مصرية تسعى الحملات المغرضة إلى التشبع بـ«الصراخ واللطم والولولة».