مصر ليست فى حاجة إلى فيلم سينمائى أو مباراة كرة قدم لنقيس مكانتها بين الأمم
نعيش زمن تقديس الأفراد، والنعرات الفئوية، ودولة القبائل، ونضعهما فى مرتبة فوق مؤسسات الدولة، فلا تستطيع أن توجه نقدا، لناشط، أو فنان ثائر، أو مخرج أقحم السياسة فى الفن، أو محاميا أو صحفيا أو طبيبا أو مهندسا، فى الوقت الذى منح كل هؤلاء أنفسهم الحقوق الحصرية لتوجيه النقد للمؤسسات والدولة ومعارضيهم، وإعلان الحرب الضروس ضدهم، وتهديدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور.
فنانون، ومخرجون أعطوا أنفسهم الحق فى صناعة أفلام تعرى المجتمع المصرى، وتنشر غسيله الوسخ أمام العالم، وتركز على حالات فردية، لا تعبر عن الإجماع، ومع ذلك يرفضون أن توجه لهم أى نقد، ويضعون أنفسهم فى مرتبة القديسين والمعصومين من النقد، يفعلون ما يشاءون، ويشعلون نيران غضبهم على كل معارضيهم.
من بين هؤلاء خالد أبوالنجا وعمرو واكد، والمخرج «الفلتة» محمد دياب، الذين «سيسوا» الفن، وزجوا بالسينما فى أتون السياسة، ثم يعارضون زج الدين فى السياسة، وتحولت مصر إلى توظيف النعرات الفئوية فى السياسة والفن، وفى كل مناحى الحياة، وتدشين مصطلح من ليس معى فهو ضدى.
ومن حقنا اليوم أن نسأل جبهة الإبداع التى يتحدث باسمها «محمد العدل»، أليس من حق أى مواطن عادى أو صحفى أو إعلامى، أن يوجه نقدا لأعمال فنان أو مخرج، وعلى رأسهم المخرج محمد دياب؟ وهل أنتم فقط الذين تمتلكون الحقوق الحصرية فى توجيه النقد، وتشريح المجتمع، ونشر غسيله الوسخ فى مهرجانات العالم؟ وكيف لكم أن تنزعجوا من الرقابة إذا منعت عملا فنيا بعينه فى الوقت الذى تطالبون فيه بقطع رأس أى إعلامى انتقد أداء أى عمل فنى لفنان أو مخرج؟ كما تطالبون بإغلاق الصحيفة أو القناة الفضائية أو التلفزيون، لأنهم تجرأوا ووجهوا نقدا للمخرج محمد دياب، واتهامهم بأنهم أمنجية، وأن الأمن فى مصر يملى عليهم ما يجب أن يقولوه، كما يتلقون توجيهات من كائنات أمنية فضائية من كواكب أخرى للإساءة لجبهة الإبداع والمخرج محمد دياب؟!
أليس من حقنا أن نوجه الأسئلة عن سر علاقة الداعية الشاب «معز مسعود» بإنتاج فيلم محمد دياب، إذا وضعنا فى الاعتبار أن الداعية الشاب أحد تلامذة الشيخ «طارق سويدان» أبرز المناصرين والداعمين لجماعة الإخوان الإرهابية؟ وما علاقة الشيخ «معز» بالفن والسينما، وألا يعد هذا اقحام الدين فى الفن يوازى خطورته إقحام الدين فى السياسة؟ أليس من حقنا أن نسأل عن علاقة معز مسعود وهو أحد أعضاء فريق إنتاج فيلم اشتباك، بما طرحه الفيلم عن ضرورة المصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية؟ وما هى حقيقة عضوية المخرج محمد دياب فى حزب «مصر القوية» الذى أسسه ويرأسه الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح القيادى الإخوانى الشهير؟ وبمناسبة جماعة الإخوان ومن باب الشىء بالشىء يذكر أليس من حقنا أن نسأل عن درجة قرابة القيادى الإخوانى الكبير فى محافظة الإسماعيلية «هشام الصولى» بالمخرج محمد دياب؟
محمد دياب، مخرج سينمائى وكاتب سيناريو وثائر وسياسى، ومن ثم فإننا من حقنا انتقاد أفلامه إذا استوجب النقد، ومن حق أى إعلامى أن ينتقده أيضا إن كان هناك ما يستوجب النقد، وعلى حملة المباخر أن يتنحوا جانبا، ولا يحاربوا بالوكالة، لأن العار سيلاحقهم أينما ذهبوا وفى أى زمان، وأن مصر ليست فى حاجة إلى فيلم سينمائى، أو مباراة كرة قدم، لنقيس مكانتها بين الأمم، ماذا وإلا فى حالة خسارة أى مباراة، هل نعتبر مصر منهارة ومتراجعة بين الأمم؟ وهل عدم فوز فيلم المخرج محمد دياب بأى جائزة فى مهرجان كان يعد صفعة قوية على وجه مصر؟
هناك خلط مخيف فى الأوراق، ونعيش زمن «الهطل، والفهلوة السياسية، وتجارة العبط على الشيطنة وبيعهما فى زجاجات»، ونرى رواية حقيرة تتحدث عن الجنس بمفرادته التى تتردد فى غرف النوم ونعتبره إبداعا، ولا يجب توجيه أى نقد له، ونعتبر فيلما ينتجه رجل دين ويخرجه عضو فى حزب سياسى يطالب بالمصالحة مع الإخوان، على أنه خال من أى شوائب سياسية، ولا يجب الاقتراب منه بالنقد أو التحليل!
المخرج محمد دياب وكل أعضاء جبهة الإبداع، أنتم لستم محصنين ضد النقد، ولا تحيط بكم هالة من القدسية، إذا اقترب منها أى شخص يتم تكفيره، ماذا وإلا عليكم أن تلتزموا الصمت، وننزع منكم كل أدوات النقد حيال كل القضايا، طالما أنتم تنزعجون من النقد.