مصر اليوم فى عيد، ليس فقط لقدرتها على حيازة أقوى القطع البحرية، حاملة المروحيات الهجومية من طراز ميسترال، ولكن لما يمثله هذا الإنجاز على المستوى الرمزى من دلالات كثيرة فى أوقات صعبة، كان كثيرون يراهنون فيها على فشل الدولة وسقوط المشروع الوطنى التحررى لصالح انتصار رياح الفوضى السوداء وصعود زمن المرتزقة والميليشيات من أذناب أجهزة المخابرات الغربية الكبرى التى تتولى إعادة تخطيط وتقسيم المنطقة بأيدى أبنائها الخونة. أكاد أراها، حاملة المروحيات «جمال عبدالناصر»، وهى تدخل المياه الإقليمية المصرية فى اتجاه ميناء الإسكندرية، ويزينها الشعار المعبر عن القوات المسلحة المصرية بالعربية والإنجليزية، بداية بالآية القرآنية الكريمة «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة»، مرورا باسم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وانتهاءً بالنسر المصرى الذى يزين العلم الوطنى ومعه الشعارات الدالة على الأسلحة المستخدمة على متنها. الصفقة الإنجاز ستغير موازين القوى فى المنطقة إلى حد كبير، وستجعل القوى الإقليمية الطامعة فى حدودنا ومناطقنا الاقتصادية البحرية، تعيد النظر ألف مرة فى حساباتها، ليس هذا فقط، بل إن الصفقة الحدث ستدعم المساعى المصرية للحفاظ على مصالحها الإقليمية فى أعالى النيل وفى باب المندب والبحر المتوسط، خاصة فى ظل حالة الحرب المتنامية على المنطقة، وسعى القوى الكبرى إلى إعادة تقسيم الدول العربية على أساس عرقى ودينى. الصفقة فى حد ذاتها علامة على التحرك المصرى لاستعادة المكان والمكانة عربيا وإقليميا ودوليا، فبعد سنوات من التهديدات التى طالت مجالنا الأمنى الإقليمى وزحفت لتهدد أمننا المباشر فى سيناء والحدود الغربية والجنوبية، وانفجار قنابل الإرهاب المرتبطة بميليشيات المرتزقة المدعومة من الخارج، أصبح بإمكان الدولة المصرية أن تستعيد توازنها إلى حد كبير، وأن تغير الصورة السلبية عن موقفها الأمنى والاقتصادى دوليًّا، وأن تستعيد مكانتها العربية والإقليمية كقوة مؤثرة لا يمكن استبعادها من أى تخطيط مستقبلى يخص المنطقة. أكاد أراها، حاملة المروحيات جمال عبدالناصر، بعد انتهاء عمليات التدريب الفنى والتقنى للطاقم المصرى البالغ مائة وسبعين ضابطا وبحارا، لتدخل بذلك مصر عصرا جديدا تظهر فيه قوتها الرادعة المدافعة عن أمنها الوطنى ومجالها الإقليمى ومصالحها الحيوية فى العالم، ومتى؟ فى الوقت الذى يظنها المغفلون والمتربصون والأعداء التقليديون عاجزة وضعيفة، كما تستطيع تلك القطعة البحرية الفريدة، أن تعمل كقاعدة مصرية فى مناطق التوتر البعيدة والمؤثرة على الأمن القومى المصرى والعربى، فهى تحمل 16 طائرة مروحية هجومية ثقيلة و40 دبابة ونحو 700 جندى، كما أنها مزودة بأنظمة ملاحية ومسحية متقدمة، وبعدة رادارات بحرية وجوية، ومنظومتين للصواريخ، ومدفع مضاد للطائرات، باختصار هى قلعة عسكرية وتكنولوجية عائمة تستطيع تنفيذ المهام الحيوية القتالية أو التدخل السريع فى الأزمات، بالإضافة إلى نقل عدد كبير من القوات والمعدات للمناطق المستهدفة. حاملة المروحيات «جمال عبدالناصر» المنتظر دخولها المياه الإقليمية المصرية اليوم، ستتبعها الحاملة الثانية «أنور السادات» فى سبتمبر المقبل بإذن الله، بعد أن ينتهى طاقمها المصرى من دوراته التدريبية فى أعالى البحار على مختلف مهام ووظائف الحاملة، وبذا يكتمل الهدف المنشود فى المرحلة الحالية، وهو تأمين مصالحنا الحيوية فى المياه الإقليمية البعيدة، وردع أى تهديدات محتملة أو أوهام فى أذهان الساسة المغامرين والمصابين بجنون العظمة فى المنطقة. اللافت أن يتم إطلاق اسمى الزعيمين جمال عبدالناصر وأنور السادات على أهم قطعتين بحريتين تمتلكهما مصر، فالدلالات كثيرة وموحية ويمكن تمثلها من التاريخ القريب لتفعيلها فى اللحظة الراهنة التى يسعى البعض لتحويلها إلى لحظة من الانقسام المجتمعى والاستقطاب السياسى، انطلاقًا من أزمات مفتعلة ومخططات لحروب القرن الحادى والعشرين.