اختلف مع الرئيس السيسى كيفما شئت.. وانتقد بعض ما لا يعجبك فى أدائه.. لكن كل ذلك لن يمنعك إذا كنت إنسانا منصفا وموضوعيا من الاعتراف بأن هناك شيئا مهما يحدث على الأرض.. حركة بناء وتعمير وتنمية فى كل مكان فى مصر، وفى عامين فقط. لا ينكر ما يحدث على أرض مصر إلا كاره أو جاحد، ولا يرى خلية العمل و«الشغالين العرقانين» فى المشروعات القومية الكبرى، وفى المشاريع الصغرى، ولا يسمع دوران العجل وحركة «الكراكات» وغناء العمال فى عز البرد والحر، إلا من فقد البصيرة قبل البصر.
من حقنا أن ننتقد ونختلف ونعارض، وليس أن نكره وننكر، وننفى أى عمل وإنجاز على أرض الواقع، فى الداخل والخارج. فى عامين فقط -أى فى نصف المدة الرئاسية- تحقق الكثير ومازال هناك الكثير أيضا.
كشف الحساب فى صالح الرئيس إلا قليلا، هناك حالة رضا عام على الأداء، رغم أن هناك تراجعا قليلا فى الشعبية.. وهذا أمر طبيعى. العبور بمصر إلى حالة الأمن والاستقرار النسبى الآن واستعادة حالة التوازن فى العلاقات الدولية وعودة مصر إلى دورها فى جميع المحافل الدولية والإقليمية.. هو إنجاز ضخم.
التخلص من أزمات كثيرة مثل أزمة الوقود والكهرباء ورغيف العيش واستقرار الأمن الداخلى رغم الإرهاب.. هو إنجاز ضخم. إطلاق مشاريع قومية كبرى مثل الطرق وقناة السويس والمليون ونصف فدان والتنمية فى سيناء وتطوير الموانئ يشبه المعجزة.
حديث الرئيس فى منتصف المدة كان من أهم وأخطر الأحاديث فى الفترة الأخيرة.. لم يكن كشف حساب سريع فقط، وإنما كان عرض رؤية الرئاسة للحكم وإدارة شؤون البلاد داخليا وخارجيا. لأول مرة يفصح الرئيس عن رؤاه وآرائه فى مفهوم الديمقراطية.. وفى مسألة حقوق الإنسان. الرجل يؤمن بالمفهوم الشامل للمعنى، فالديمقراطية ليست مظاهرات وسياسة فقط.. إنما عمل وتنمية وبناء للإنسان وللمكان.. فهناك جانب اقتصادى وثقافى واجتماعى للديمقراطية فى معناها الشامل. بعض الزعماء التاريخيين فى العالم آمنوا بهذه الجوانب من الديمقراطية فى بلادهم، خاصة بعد ثورات على الفقر والعوز والاحتكار والفساد وتزاوج رأس المال بالسلطة.
مجتمعات النصف فى المائة لا يمكن أن تطبق فيها الديمقراطية السياسية بشكلها التقليدى المعتاد، فالشعب الفقير الجائع لا يفكر فى السياسة، لأن اختياره ليس بيده، فهو فريسة للحاجة والعوز واستغلال أصحاب رؤوس الأموال. هذه رؤية الرئيس ورأيه فى الديمقراطية.. وحقوق الإنسان فى التعليم والصحة والسكن ولقمة العيش وفرصة العمل.
وهذا بالطبع مكلف لمنظمات وجمعيات «حقوق الإنسان» العاملة فى مصر، لأن العمل فى هذه القطاعات يحتاج إلى جهد ولا يحقق الربح..! وهذه مأمورية صعبة جدا ولا تحقق الأهداف المطلوبة والأغراض المريبة. وليس معنى ذلك أن الجانب السياسى فى الرؤية الشاملة للديمقراطية لدى الرئيس غير مطلوب أو يحدث تجاهله، بل هو ضرورة حيوية.
ولأول مرة يحدد الرئيس، وبكل وضوح السياسة الخارجية لمصر والموقف من العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فعلاقات «التبعية» ووضع جميع الأوراق السياسية فى السلة الأمريكية لم تعد ملزمة لمصر فى العلاقة مع واشنطن، فهناك مصالح استراتيجية مشتركة وعلاقات ندية وليس علاقات تبعية وتتبع واقتفاء للسياسة الأمريكية فى المنطقة، فمصر دولة محورية، ولها أيضا مصالحها الإقليمية التى قد تتقاطع مع المصالح الأمريكية، وبالتالى لابد من الحوار القائم على الندية.
ملفات مهمة اقتحمها الرئيس فى حديثه، ولكن فى رأيى أن ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان والعلاقات مع الولايات المتحدة، هى أخطر الملفات التى تحدث فيها الرئيس، وبصراحة غير مسبوقة.