خلال أقل من شهر سقط أكثر من خمسة عشر مسؤولا كبيرا فى مواقع ومناصب مختلفة، ربما كان أبرزهم مستشار وزير الصحة، الذى سقط بـ4.5 مليون فى عملية واحدة، فى مستشفى واحد قدرت قيمتها بـ28 مليون جنيه، ولو تخيلنا أن هذا المسؤول استمر لعام واحد، وفى يده مفاتيح الصفقات، ربما كان قد وصل إلى المائة مليون وزيادة، ومن بين الحالات التى سقطت بالرشوة ما يقرب من عشرة رؤساء أحياء، تتنوع بين الشعبية والمتوسطة والراقية من روض الفرج للتجمع الخامس.
ومن اللافت للنظر أنه بالرغم من سقوط مرتشين ومعروف أغلبهم أنهم تحت أعين الرقابة، فإنهم يجدون الجرأة لتلقى الرشوة وطلبها والتفاوض بشأنها، أى أنهم لا يتعلمون أو أنهم لا يضعون القانون فى اعتبارهم، بل إنهم يتكاثرون. نحن هنا أمام مناصب تتيح لأصحابها فرص رشوة بالملايين، وربما لهذا نرى مخالفات البناء مستمرة، وفى كل حى يمكن التعرف على حركة الرشوة والفساد من حجم المخالفات والأبراج المخالفة التى تتحدى الجميع، ولا تزال المحليات هى المصدر الرئيسى للفساد والرشوة وكل الموبقات، وهو أمر تعرفه الأجهزة الرقابية، لاحظ أننا نتحدث عن فاسدين كبار من فئة مئات الآلاف والملايين، وهناك فئة أخرى بالآلاف وربما بالمئات، ولكل نوع من الفساد ثمن وشكل. بالطبع فإن تساقط المرتشين على أيدى أجهزة الرقابة أمر إيجابى، يعنى أن هذه الأجهزة تتابع وتراقب، وأنها بالفعل حاصلة على صلاحيات، لكن من الصعب فى ظل هذه المنظومة المعقدة أن تتساقط كل حالات الفساد والرشوة، وكما هو شائع فى عالم الجريمة، فإن نسبة ما يتم ضبطه عادة تتراوح بين 10 إلى %20، وتمر باقى الجرائم والنسب الأكبر، ناهيك عن أنهم لا يبدون أى نوع من الردع وهم يشاهدون مرتشين وفاسدين يتساقطون، لأنهم لا يعيرون للقانون انتباها ولا اهتماما.
واللافت هنا أن المرتشين والفاسدين غالبا ما يكون للواحد منهم سلطات ونفوذ واسع على ملايين ومئات الملايين، وهو ما يجعلهم مرشحين أو قابلين للفساد مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك حجة دائمة أن ضعف الرواتب هو الذى يفتح باب الرشوة والفساد، بينما الثابت أن كبار الفاسدين غالبا ما يكونوا مليونيرات، ثم إنهم لا يشبعون من المال ولا يتوقفون مثلا بعد تكوين خميرة تعوضهم، وفى المقابل كثيرا ما نرى نماذج لفقراء أو متوسطى الحال غير فاسدين.
الأمر إذن لا يرتبط بالفقر، إنما بتركيبة وقابلية للفساد من جهة، ومن جهة أخرى منظومة الإدارة والسلطات، التى تتداخل وتتركز فى أيدى أشخاص، تفتح الباب أمام من يكون مستعدا للفساد، ولهذا فإن نسبة الفساد عندنا أكثر من دول العالم، وهو ما يحتاج تغيير الإدارة بشكل يفكك من تركيز النفوذ، ويفصل بين القرار والمال.