هل تتغير السعودية؟.. حينما تحدث الأمير محمد بن سلمان، ولى ولى العهد السعودى، قبل عدة أسابيع عن ضرورة فتح السياحة فى السعودية لمختلف الجنسيات، على أن يكون ذلك متماشيًا مع القيم والمعتقدات التى تحكم بلاد الحرمين، ظن كثيرون أن ما قيل من قبيل الترويج، ولن يحدث شىء على أرض الواقع، وأن التيار المحافظ مازال المتحكم فى المملكة، دون النظر بطبيعة الحال للتغيرات التى تشهدها السعودية منذ عدة أشهر وصولاً إلى إصدار «رؤية 2030» التى تم الإعلان عنها مؤخرا وتستهدف استعداد السعودية لمرحلة ما بعد البترول.
من لم يصدقوا ما قيل بشأن الخطط التى تعد لها السعودية لاستغلال بعض المناطق المطلة على البحر الأحمر والخليج العربى فى السياحة، بالتأكيد صدموا من إعلان المملكة، الثلاثاء الماضى، نيتها تسليط الضوء على الفنون وتنمية صناعة الإعلام فىإاطار برنامجها للإصلاح الاقتصادى «برنامج التحول الوطنى 2020»، وسيكون ذلك من خلال إنشاء مجمع ملكى للفنون ومدينة إعلامية.
ووفقًا لما قاله وزير الثقافة والإعلام السعودى عادل الطريفى، فهذا التوجه الجديد من جانب المملكة هو جزء من «رؤية السعودية 2030» التى تهدف لتنويع مصادر الدخل لمواجهة انخفاض أسعار البترول، وهى الرؤية التى أعدها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان الذى ينظر فى داخل المملكة وخارجها على أنه يقود عملية تحول جذرية ربما تصل إلى تغيير كامل فى صورة السعودية، خاصة إذا ما تم الانتهاء فعليا من خطة السياحة، وكذلك إنشاء المجمع الملكى للفنون الذى يهدف إلى «تعزيز الثقافة والفن، والاهتمام بمتطلبات الأجيال من المثقفين والفنانين السعوديين وإيجاد مؤسسات قادرة على رعايتهم ويستطيعون من خلالها عرض فنونهم وتوثيقها»، وفقا لما قاله الطريفى، الذى حاول طمأنة المحافظين السعوديين بقوله إن المجمع يهدف أيضا الى «المحافظة على الثقافة الوطنية، وتعزيزها، وأيضا أن يكون مجالا لإعطاء الأجيال الشابة صورة عن المملكة العربية السعودية وتاريخها».
ما قاله الطريفى حول مجمع الفنون ومن قبله فتح المجال للسياحة، هى مؤشرات على التغيرات التى تشهدها السعودية والتى بدأت منذ ثلاثة أعوام تقريباً حينما تم السماح لأول مرة للمرأة السعودية بحق التصويت فى الانتخابات، ومن بعدها اتخذ العاهل السعودى الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز قرارا فى يناير 2013 بتعيين 30 سيدة بمجلس الشورى لأول مرة فى تاريخ المملكة، وأصدر أمرا ملكيا نص على تخصيص 20% من مقاعد المجلس للنساء، ولم يتبق سوى بعض الخطوات التى من المتوقع الإعلان عنها قريبا، وهى الخاصة برفع القيد المفروض على قيادة المرأة للسيارة، خاصة أن السعودية تعد الدولة الوحيدة فى العالم التى لاتزال تمنع النساء من قيادة السيارات.
ورغم أنه حتى الآن لم يتم الإعلان عن شكل هذا المجمع وما سيشمله، لكن من الواضح أن السعودية لديها رغبة فى أن يكون لديها مدينة شبيهة بمدينة دبى للإعلام، تجمع بداخلها القنوات السعودية التى تتخذ من بيروت ودبى مقرا لها، لكن السؤال الآن: هل يشمل المجمع أو المدينة الإعلامية صالات سينما لعرض الأفلام، خاصة أن السعودية منعت صالات السينما منذ عام 1979، كما لا توجد فيها عروض مسرحية عامة، ويقام بعضها على نطاق خاص ومحدود؟ قد يكون من المبكر التنبؤ بالشكل الذى سيكون عليه المجمع أو المدينة الإعلامية، لكن المؤكد أن هناك تحركات تجرى داخل المملكة لتحسين صورتها التى كانت فى مرمى هجمات حقوقية خارجية، إذ تعرضت السعودية لانتقادات متكررة من منظمات حقوقية ومن تقارير صادرة عن دول كبرى على خلفية قضايا عدة، منها العدد الكبير لأحكام الإعدام المنفذة، وأمور أخرى متعلقة بحقوق الإنسان، وهو ما تحاول القيادة السعودية الحالية تلافيها، والعمل على تصدير صورة جديدة للمملكة، مع استغلال الطاقات الشبابية التى تزخر بها المملكة.
نحن إذن أمام حركة تغيير كبيرة فى المملكة يقودها الأمير محمد بن سلمان، وقد تواجه اعتراضات من جانب المحافظين السعوديين، لكن فئة الشباب ستكون عامل الحسم لصالح محمد بن سلمان، لأنهم يريدون تصدير صورة جديدة للسعودية تتطلب اتخاذ خطوات صعبة.