الذين يرددون النغمة النشاز بشكل متكرر ممل وسمج عن حكم العسكر، لا يدركون الحقائق الثابتة والراسخة رسوخ الجبال، أن تاريخ العسكرية المصرية واكب بداية العصور التاريخية، عندما توصل الإنسان للكتابة والتدوين، وأن الأسرة الفرعونية الأولى، أول ما برز فيها أن مؤسسها الملك «مينا» ظهر كقائد عسكرى، يقود جيشا لإعادة توحيد البلاد، ويقضى على فتن الدعوات الانفصالية، منذ 3 آلاف و200 عام قبل الميلاد.
وكان الجيش المصرى من أقوى الجيوش حينذاك، يؤدى دوره كركيزة عسكرية، يحمى ويدافع عن البلاد ضد المطامع الخارجية، ويبنى ويعمر وذلك فى جميع الأسرات، خاصة فى الأسرة الـ«18»، الذى استطاع الجيش حينها أن يقهر الحيثيين والرومان والإغريق فى سلسلة حروب قوية، تحت راية الملك رمسيس الثانى.
وتميز الجيش المصرى منذ أن سطر المصرى القديم أول حروف الكتابة، بأنه لم يضم بين صفوفه أى مرتزقة أجانب، واعتمد فقط على المصريين، من خلال الاستدعاء والخدمة الإلزامية أثناء الحرب.
وعندما تولى محمد على السلطة فى مصر، أدرك أن ثروة البلاد والمحافظة على كيانها المالى من أكبر دعائم الاستقلال، ولا يتحقق الاستقلال السياسى ما لم يدعمه استقلال مالى واقتصادى، لذلك كان أول أهدافه فى سياسته الإصلاحية، تحسين أحوال البلاد الاقتصادية، وإنشاء أعمال العمران لتنمو ثروتها القومية، وتطوير الجيش المصرى، تسليحا وتدريبا حسب العلوم العسكرية الحديثة، وتولى محمد على بنفسه تنفيذ هذه السياسة، وعهد للجيش المصرى مسؤولية التنفيذ والمتابعة، وبذل لتحقيق ذلك جهودا مضنية، واستطاع أن ينهض بالبلاد وينقلها نقلة نوعية، قوامها الحداثة ومواكبة العلم، وأقام عددا كبيرا من المشروعات التنموية الكبرى فى كل القطاعات، وعلى رأسها القطاع الزراعى، بداية من حفر الترع وإقامة الجسور والقناطر، بجانب إنشاء مصانع الغزل والنسج والحرير والصوف والكتان والحبال والطرابيش، ومعامل سبك الحديد والألواح النحاسية، والسكر والصابون.
محمد على كان لديه يقين، أن الجيش لا يعتمد عليه فى تحقيق مشروعاته العظيمه لتأسيس وترسيخ ملكه الجديد، فحسب، وإنما بذل جهدا فى إنشاء جيش من المصريين أبناء العمال والفلاحين، ولكن بشكل عصرى حديث ومتطور، خاصة أنه أتيحت له فرصة مشاهدة الجيوش الأجنبية فى قتالها، مثل الجيش الفرنسى، واستطاع أن يقف بنفسه على ما يشهده نظام تسليحه وتكتيكاته، وقارن بينها وبين الحالة التى كان عليها الجيش المصرى، فصمم على أن يستبدل جنوده غير النظامية بجيش على النظام العسكرى الحديث، ووضع محمد على فى حساباته أن تطوير الجيش المصرى تدريبا وتسليحا وفقا للتقدم والتطور الكبير الذى واكب العلوم العسكرية، أن يقابلها محاربة تغلغل الروح الرجعية عند الأهالى ورفضهم لكل ما هو جديد ومتطور وحديث، خاصة إذا جاء على يد الأجانب، وهى النتيجة الكارثية التى خلفها حكم الأتراك لمصر، واستمرت لعقود طويلة، دفعت فيها البلاد ثمنا غاليا من فاتورة التخلف والظلام، ورغم ذلك استطاع محمد على أن يقهر المستحيل، وينقل مصر من عصور التخلف والرجعية، إلى عصور العلم والحداثة والتقدم، وأصبح لمصر جيش قوى متطور قادر على حماية البلاد، وتنميتها ونهضتها، بكل قوة.
تجربة محمد على، أعتقد أنها ماثلة أمام عيناى الرئيس عبدالفتاح السيسى، فإذا تفحصت طريقة إدارة الحكمين، من حيث الاهتمام بتسليح الجيش وتطوير أدائه، والاعتماد عليه فى تنفيذ المشروعات التنموية والقومية الكبرى، تجدها واحدة، وأيضا الجهد المبذول للرئيس السيسى يتطابق مع الجهد الذى بذله محمد على. نعم، الجيش المصرى هو اللاعب الحقيقى، والوحيد، الداعم والمحافظ على استقرار ونهضة وتقدم هذا الوطن، ولو المؤسسات سارت على نفس نهج وأداء الجيش، ستكون مصر فى مصاف الدول الكبرى خلال سنوات قليلة للغاية.