لماذا نعدّل قانون التظاهر؟..
لماذا نعدّل قانون التظاهر؟.. قبل أيام أعلنت الحكومة بشكل مفاجئ أنها ستشكل لجنة لإجراء تعديلات تشريعية على «قانون التظاهر»، أو المسمى بقانون تنظيم الحق فى الاجتماعات والمواكب والتظاهرات السلمية فى الأماكن العامة، من حيث الجريمة، أو العقوبة المقررة، وجاء هذا الموقف من جانب الحكومة بعد ثلاث سنوات من الجدل حول القانون الذى صدر فى 24 نوفمبر 2013، وبدأت الدولة فى تطبيقه، وهناك قضايا أحيلت للقضاء، وتم الحكم فيها، ويقضى المحكوم عليهم الآن فترة محكوميتهم داخل السجون. السؤال هنا: هل نحن بحاجة إلى إجراء تعديل على القانون، أم أن المطلوب تطبيق القانون على الجميع دون تفرقة؟، بمعنى أن القانون يطبق على كل المخالفين لبنوده حتى إن كان المخالف من المؤيدين للحكومة، لأنه لا معنى لوجود قانون إذا لم نرَ أثره مطبقًا على الجميع، وهو ما افتقدناه فى قانون التظاهر، فللأسف الشديد شابت تطبيقه خروقات مختلفة من جانب الشرطة التى تسامحت مع متظاهرين، وتشددت مع آخرين، دون أن توضح لنا أسباب التسامح أو التشدد، وهو ما جعل القانون سببًا للهجوم على الحكومة، هجوم لم يرتكن لمواد القانون، إنما لأن الداخلية لم تطبقه على من أطلق عليهم لفظ «المواطنين الشرفاء».
بالنسبة لى، فإن دولة مثل مصر، وفى ظل الظروف التى تمر بها، وما تشهده من إرهاب وعنف وتوتر، ومحاولات لإشاعة الفوضى من قوى داخلية وخارجية تحاول تعريض حياة المواطنين للخطر، تحتاج لقانون يضبط وتيرة التظاهر، حتى لا يتحول الحق فى التظاهر إلى أداة لنشر الفوضى والقلق والتوتر فى الشارع المصرى، على شاكلة ما يدعو له «الأناركية» ممن لا يعترفون بالنظام والاستقرار والأمن، ولا يعترفون بوجود الدول من الأساس، لذلك فإن وجود القانون مطلوب، خاصة أن قانون التظاهر ليس بدعة مصرية، إنما موجود فى أعتى الديمقراطيات بالعالم، فهو موجود فى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، فى هذه الدول قواعد تنظم التظاهر، ومن يخرج عنها يعاقب بالقانون، فالمبدأ السائد هو أن سلمية التظاهر أمر منتهى ومتفق عليه، والحق فى التظاهر كفله الدستور، لكن نحن نتحدث عن التنظيم الذى يجنبنا الوقوع فى فخ الفوضى.
لذلك فإننى أرى أنه قبل أن تنخرط الحكومة فى قراءة التعديلات المطلوب إدخالها على قانون التظاهر، عليها أن تدرك أن قيمة القانون فى تطبيقه وتفعيله على الجميع دون استثناء، وأن الدولة فى هذه الظروف تحتاج إلى تضافر كل الجهود من جانب المواطنين ومؤسسات الدولة ورجال الشرطة لحماية أمن مصر، على أن يلتزم الجميع بالأطر الحاكمة لحقوق الإنسان، باعتبار أننا نتحدث عن ثنائية متصلة بعضها البعض، فالأمن وحقوق الإنسان متصلان ولا ينفصلان عن بعضهما البعض، مع الأخذ فى الاعتبار أن قواعد حقوق الإنسان لا تقتصر فقط على حرية الرأى والتعبير فقط، إنما تشمل الحق فى الحياة الكريمة لكل المواطنين.
وقد يكون مقبولاً إجراء تعديلات إجرائية فى القانون، مثل تلك التى أشار إليها المجلس القومى لحقوق الإنسان بتعديل المادة الثامنة من القانون، بأن يكون الإخطار عن المظاهرة قبل موعدها بثمانية وأربعين ساعة فقط وليس سبعة أيام، وتعديل المادة التاسعة بشطب الفقرة الأخيرة «محاولة إيجاد حلول لتلك المطالب أو الاستجابة لها»، لأنها يمكن أن تستخدم فى منع المظاهرة بحجة أن المسؤولين استجابوا لمطالب المظاهرين دون أن يكون ذلك حقيقيًا، وإلغاء المادة الحادية عشرة لأنها تصادر حق التظاهر على أساس نوايا المتظاهرين قبل المظاهرة، وتعديل المادة الثالثة عشرة بنقل استخدام الهراوات فى فض المظاهرة من المرحلة الأولى إلى الثانية، وتعديل المادة السادسة عشرة ليكون الحرم الآمن للمواقع التى يتم التظاهر أمامها لا يزيد على خمسين مترًا فقط، وليس ثلاثمائة كما جاء فى القانون، فكل هذه التعديلات من الممكن التوافق عليها، لكن أن يصل الأمر إلى إلغاء القانون، فهذا أمر لا يمكن قبوله، لأن وجوده ضمانة أساسية لحماية الدولة من أى دعوات هدامة.
التعديل مطلوب، لكن ليس بشكل يقضى على الغرض الأساسى الذى من أجله وضعت الحكومة القانون، فليس من أجل أصحاب الصوت العالى نهرول لإلغائه من أجل إرضائهم، مع العلم بأن أيًا من المطالبين بإلغاء قانون التظاهر فى مصر، ويتشدقون بالديمقراطية الغربية، لا يستطيع أحدهم أن يتظاهر فى دولة أوروبية دون الحصول على تصريح بالتظاهر، فلماذا يحترم القانون فى أوروبا ويريد أن يلغيه فى مصر؟!