دخلت تعبيرات حرفية جديدة على اللهجة المصرية الدارجة مثل الريس والباشمهندس للكهربائى هل كانت الدوافع النفسية وراء التغير الكبير فى أخلاق المصريين واهتزاز الصورة النمطية عن سمات الشخصية المصرية؟ بمعنى أن فئات كثيرة فى المجتمع المصرى كان لديها الاستعداد لتغيير جلدها تماما بالتزامن مع بدايات عصر الانفتاح فى السبعينيات، وتخلى الدولة عن مفاهيم اقتصادية واجتماعية وثقافية تربى عليها جيل كامل كان لها أكبر الأثر فى إحداث التوازن والانسجام الاجتماعى فى مصر قبل منتصف السبعينيات.
الدكتور جلال أمين يرى فى كتابه «ماذا حدث للمصريين» أن السبب الحقيقى هو التقلبات العنيفة والحراك الاجتماعى وما نتج عنه من صعود شرائح دنيا لتنافس وتتفوق على الطبقات الوسطى والعليا فى نمط معيشتها ومحاولة تقليد الأقل دخلا للأعلى دخلا فى نمط معيشته رغبة منه فى الانتماء لطبقة أعلى فانتشرت الرموز الطبقية كالإصرار على اقتناء سيارة خاصة أو جهاز موبيل معين لتأكيد الانتماء لطبقة أعلى.
وحتى تكتمل الصورة، دخلت تعبيرات حرفية جديدة على اللهجة المصرية الدارجة مثل الريس والباشمهندس للكهربائى والدكتور للميكانيكى وغيرها وانتشرت كلمات غريبة فى الحوار والغناء وقدمت السينما أنماطا وشخصيات درامية تستجيب لرغبات الطبقات الجديدة وصارت أكثر الأفلام نجاحا هى تلك التى تسخر من القيم الراسخة فماذا حدث للمصريين وهل مازلنا فعلا «ولاد بلد وجدعان»؟
فى كتابها «الشخصية المصرية من خلال دراسة الفولكلور المصرى» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1984 م خلصت د. فاطمة حسين المصرى إلى سمات الشخصية المصرية التى لخصتها فى نمطين اثنين.الأول شخصية ابن البلد وهى الشخصية الإيجابية التى تحتوى على ثلاث مجموعات، الأولى: الجدعنة وهى المجموعة التى تؤمن بالعمل «الإيد البطالة نجسة» وتؤمن بالعلم «يموت المعلم ولا يتعلم» وتتميز بالذكاء «على قد حصيرتك مد رجليك»، والثانية: ابن نكته، فالمصرى شخص ضاحك مشرق الوجه شغوف بالنكته حتى فى أصعب المواقف «تبات نار تصبح رماد» و«احيينى النهاردة وموتنى بكره».
والمصرى صدوق ودود يقدس الصداقة «خد لك فى كل خطوة صديق...» و«اعمل المعروف وارميه البحر». والمجموعة الثالثة: الطيبة، فهو متدين ومتمسك بفضائل الدين «امشى عدل يحتار عدوك فيك» و«مال الناس كناس». وهو كريم مضياف محسن «لقمه هنية تكفى ميه» و«لاقينى ولا تغدينى». وهو صبور قانع «الصبر مفتاح الفرج» و«طولة البال تهد الجبال». وهو لا يهتم بالمظهر، وإنما بالجوهر «من بره هالله هالله ومن جوه يعلم الله». النمط الثانى شخصية الفهلوى وهى الشخصية غير الأصيله. وتنقسم إلى أربع مجموعات، الأولى: الشخص الضعيف المستكين وتتميز هذه الشخصية بالانتهازية «اللى تغلب به إلعب به». «اتمسكن لحد ما تتمكن». والنفاق «إن كان لك عند الكلب حاجة قوله يا سيدى» والأنانية «ماينفعك إلا نفسك وقرشك» والحقد «يدى الحلق للى بلا ودان» واللامبالاة «اللى له ضهر ما ينضربشى على بطنه».
والمجموعة الثانية، وهى الشخصية التواكلية «قيراط حظ ولا فدان شطارة». والثالثة، ذات العاطفة المتزايدة ونرى ذالك بوضوح فى أفراحنا وأحزاننا وما يتبع ذلك من غلق للشوارع وتعليق الزينات ومكبرات الصوت والصريخ والعويل وشق الجيوب وهى كلها أساليب لتوكيد الذات ناتجة من اضطراب وجدانى.
والمجموعة الرابعة هى المظهرية وهو اتجاه يعبر عن قصر النظر وخواء الفكر ومنها «كبر الكوم ولا شماتة العدا».
هذا التقسيم كان فى زمن الثمانينيات.. وكان مفهوما ومقبولا.. لكن ما يحدث الآن تجاوز المفهوم والمقبول.. ويبقى السؤال مطروحا «ماذا حدث للمصريين؟».