منذ شهرين دعوت الحكومة من هذا المكان بضرورة التفكير فى إغلاق شركات الصرافة العاملة فى السوق المحلى، بعد أن ثبت بالدليل تلاعبها وعبثها بسعر الصرف للعملة الأجنبية وارتفاع سعره بشكل كبير أمام العملة المحلية، كل ذلك لغرض إرباك الاقتصاد المصرى والضغط على النظام السياسى الحالى وإفشاله.
بعض الشركات، وعددها بالتأكيد محدود للغاية، ترى أنه لا ذنب لها فيما يقوم به أصحاب الشركات التى تنتمى للإخوان أو متورطة فى عمليات تلاعب بسعر الصرف واستغلال الظروف الاقتصادية الصعبة لصالح أطراف خارجية.لكن المسألة الآن تتعلق بأمن قومى تستدعى اتخاذ إجراءات استثنائية لضبط سوق الصرف والكشف عن المتلاعبين به.
ورغم الإجراءات المشددة للبنك المركزى فى الشهور الماضية بإغلاق عدد من شركات الصرافة المخالفة ورغم قرارات الحكومة فى الأسبوع قبل الماضى بتشديد العقوبات لمن يتاجر بالدولار فى السوق السوداء، ومنها عقوبة السجن. لم يؤثر ذلك فى «تجار الشنطة» من أصحاب الشركات الإخوانية ولم يردعهم ووصل سعر الدولا فى السوق السوداء إلى 11 جنيها أو أقل قليلا. فهل تقف الحكومة عاجزة أمام غول شركات الصرافة؟ فسعر الصرف لا يؤثر فقط على الأوضاع الداخلية وتأثيراته السلبية على ارتفاع أسعار السلع والخدمات وزيادة الطلب على الدولار للاستيراد، وإنما على ثقة المستثمر فى الاقتصاد المصرى وتردده فى الدخول للسوق المصرى فى ظل وجود أكثر من سعر للدولار، انتظارا لتخفيض جديد لسعر العملة المحلية.
القضية تجاوزت الإجراءات العادية من الحكومة والبنك المركزى، فأجهزة الأمن أمس الأول كشفت عن خلية إخوانية جديدة من رجال الأعمال تمتلك عددا من مكاتب الصرافة على مستوى الجمهورية «تورطوا فى مؤامرة ضرب الاقتصاد القومى، وجمع وتهريب العملة الصعبة خارج البلاد»، كما قالت أجهزة الأمن والقضاء، ومنهم رجل الأعمال الإخوانى الشهير حسن مالك، عن طريق جمع العملات الأجنبية وتهريبها للخارج بطرق غير شرعية.
ورغم إجراءات البنك المركزى المصرى طوال الشهور الماضية لضبط أسعار الصرف فى السوق المحلى ووضع ضوابط مشددة على شراكات الصرافة، مازالت تقف حائرة أمام أزمة الدولار وتأثيراته على الوضع الاقتصادى الداخلى وأسعار السلع الاستهلاكية وعمليات الاستيراد من الخارج. وعلى حركة تدفق الاستثمارات الأجنبية. سعر الدولار وصل أمس الأول، حسب الغرفة التجارية، فى السوق الموازية إلى 10 جنيهات و40 قرشا ومرشح للصعود والزيادة نتيجة نقص المعروض من العملة الصعبة وتزايد طلبات المستوردين. البنك المركزى بذل جهودا كبيرة فى الفترة الماضية وطرح عطاءات دولارية إلى السوق، ومع ذلك فالسوق السوداء تسير فى دروب غير معلومة ويقودها المضاربون من تجار العملة والراغبين فى زيادة سعر العملة إلى أكثر من ذلك إذن المسألة واضحة ولا تتعلق بعمليات تجارية وحسابية وإنما تجاوزت إلى حرب اقتصادية مكشوفة أشبه بحرب العملات ضد مصر من المتربصين بها ومحاولة خنق الاقتصاد المصرى من الداخل بالمضاربات أو من الخارج مثل عمليات شراء الدولار من العاملين بالخارج وهو ما كشفت عنه الأرقام الأخيرة الصادرة عن البنك المركزى بتراجع تحويلات المصريين بالخارج إلى مصر.
الحلول كثيرة والبدائل موجودة للضرب بقوة وبيد من حديد لمافيا الدولار للذراع الاقتصادية والمالية لعصابة الإخوان، كواحد من الإجراءات لضبط سوق الصرافة فى مصر والتحكم فيه. لكن هناك إجراءات أخرى لخفض سعر الدولار أو توفيره لمواجهة الطلب المتزايد عليه وهنا تتجلى مسؤولية الحكومة لتنشيط الصادرات لعودة السياحة وتحفيز المصريين العاملين بالخارج لضخ العملة الصعبة إلى السوق المحلى. ربما يكون إجراء إغلاق الشركات استثنائى ومؤقت لمدة عام أو عامين ثم عودتها مرة أخرى وفق ضوابط وإجراءات جديدة.
المنطق والواقع يقول فى الحالة الاستثنائية التى يمر بها الاقتصاد المصرى أن البنوك عليها الإسراع فى تأسيس شركات صرافة تابعة لها، وأن على الحكومة إغلاق هذه الشركات ولو بشكل مؤقت إلى حين العبور من الأزمة، وهذا ليس رأيى فقط وإنما هو رأى التجار والمستوردين، فعدد شركات الصرافة بفروعها ليس كبيرا، فهناك 111 شركة صرافة يتبعها 440 فرعا تم إغلاق 5 شركات بفروعها الـ44، ومع ذلك فهى تدبر حوالى %70 من احتياجات السوق من العملة. فى حين أن هناك 38 بنكا فى مصر يتبعها 4 آلاف فرع لا تدبر من احتياجات الدولار سوى %30.
الحل هنا هو قرار شجاع بإغلاق الشركات والاتجاه فورا لإنشاء شركات تابعة للبنوك وفروعها.