عقب نشر مقالى، أمس الأول الأحد، الذى حمل عنوان «مصالحة فى عيون وقحة.. عن المطالبين بالتصالح مع الإخوان أتحدث»، فوجئت بردود أفعال غاضبة تمثل ما يشبه الإجماع على رفض التطرق للحديث من الأصل عن طرح ما يسمى «المصالحة» مع جماعة إرهابية نكلت بالشعب المصرى أيما تنكيل، ودفعت بالبلاد إلى حافة الهاوية، وكانت عاملا رئيسيا فى إطلاق الكلاب المسعورة ضد مصر، سواء كانت دولا أو جهات أو جماعات، لتنهش فى جسد البلاد.
وتأسيسًا على ذلك تلقيت مكالمة هاتفية من مسؤول بارز ونافذ فى مطبخ صنع القرار، أكد لى، وقولا واحدا، أنه لا يمكن التصالح مع جماعة الإخوان أو أى تنظيمات تمارس العنف، وتسير عكس اتجاه القانون، ولا توجد أى نية الآن، ولا فى المستقبل القريب منه أو البعيد، لقبول فكرة ما يطلق عليه مبادرات ومصالحات مع جماعات أو أفراد ضربت بالقوانين عرض الحائط.
المسؤول البارز أوضح شيئا لافتا، بأنه لا يوجد خصومة بين الدولة وأى حزب أو جماعة أو جمعية أو أى شكل من أشكال التنظيمات، وأن ما يحكم العلاقة بين الدولة والمؤسسات والكيانات والمواطنين، هو الدستور والقانون، لذلك فإن الدولة تقف على مسافة واحدة من الجميع بمختلف الاتجاهات والأطياف، وأن من يرتكب جرائم يقع تحت طائلة القانون.
المسؤول الكبير لفت نظرى أيضا إلى أمر مهم، فبجانب أن الدولة تطبق القانون على الجميع، دون النظر إلى اللون السياسى، فإنها أيضا وضعت خططا منها ما هو معلن ومنها ما هو خفى للقضاء على نفوذ وتغلغل جماعة الإخوان الإرهابية ورفاقها فى نسيج المجتمع المصرى فى القرى والنجوع بالصعيد والوجه البحرى، وذلك من خلال تقديم مشروعات حقيقية، ورفع المستوى المعيشى للفقراء والمحتاجين، ومن هذه المشروعات على سبيل المثال برنامج «تكافل وكرامة» المتعلق بصرف معاشات شهرية للأسر الأكثر فقرا.
وميزة هذه المشروعات التنموية فى القرى والنجوع بالمحافظات البعيدة، أنها تخضع لإشراف مؤسسات الدولة التى تتمتع بثقة غالبية الشعب المصرى، والضامنة لعدم تسلل الفساد لها من قريب أو بعيد، وأنها ستقدم وتصل إلى مستحقيها دون وساطة، أو تلاعب بشكل أو بآخر.
إذن، وحسب تأكيدات المسؤول المهم فى مطبخ صنع القرار، فإنه لا توجد مصالحة مع جماعات أو تنظيمات أو أى كيانات مهما كانت تسمياتها ونهجها، أو أشخاصا كانوا رموزا من عدمه، وأن الفيصل فى العلاقة بين الدولة ومؤسساتها والمواطنين، هو القانون، وأن كل من ارتكب جرمًا لابد أن يلقى الجزاء العادل، وفقًا للقانون.
أيضًا، اكتشفت أن الدولة تدرك تحركات الجماعات المتطرفة وفى القلب منها «الإخوان الإرهابية» فى الشارع ومحاولة العودة من جديد للمشهد السياسى، وهنا نقطة محورية، فوجود الدولة كحاضن وراعى قوى، بجانب نفوذها وثقلها القانونى، لحماية الغلابة والمحتاجين، أمر جوهرى، ويعد طفرة فى فقه أولويات الدولة ومؤسساتها، لأن غياب دور الدولة طوال العقود الماضية، فى معظم المناطق البعيدة، ترك فراغا مخيفا استطاعت الجماعات المتطرفة أن تملأه، وتقوم بدور الدولة، فحققت شعبية كبيرة استطاعت أن توظفه سياسيا لصالحها بكل قوة.
عودة الدولة لدورها الاجتماعى والسياسى والقانونى بكل قوة، أمر بالغ الأهمية، سيكون بمثابة الحصانة والتحصين ضد العبث الذى سيطر وعشش فى المجتمعات البعيدة عن صخب واهتمام العاصمة، ونرجو من الدولة ألا تكون اهتماماتها على غرار حمى البداية التى سرعان ما تنطلق وتحقق نجاحا مهما، ثم يتراجع الأداء والدور تدريجيا، لذلك فإن تفعيل إدارات المتابعة اليومية والدؤوبة للمشاريع أمر يضمن استمرار الحيوية والنشاط بنفس الأداء، وألا تتسلل العنكبوت لتعشش فيها معلنة «بداية الانهيار».