الرئيس السيسى يتابع بدقة ما يدور فى الشأن الداخلى، ويقرأ ما يكتب فى الصحف، ويهتم بما يذاع إذاعيا ومرئيا، تعليمات الرئيس أمس لوزيرة التعاون الدولى سحر نصر بعدم التوقيع على قروض خارجية جديدة دون التأكد من القدرة على السداد تؤكد ذلك، بالمعنى الصريح والواضح «مفيش قروض إلا إذا كنا قادرين على السداد»، يعنى القروض الاستهلاكية والقروض التى يتحمل أعباءها الجيل القادم لسنا فى حاجة إليها، وما نحتاج إليه هى القروض الإنتاجية لإنشاء المصانع والشركات وتمويل المشروعات القومية الكبرى القادرة بعد الانتهاء منها على الإنتاج، وبالتالى سداد ديونها من التشغيل دون تحميل أعباء على الدولة.
فى الأيام القليلة الماضية، تناولنا، فى «اليوم السابع» قضية الديون الخارجية لمصر بعد أن ارتفعت فى ستة أشهر فقط إلى 53.4 مليار دولار، علاوة على الدين المحلى الرهيب الذى تجاوز الـ2 مليار جنيه ويهدد خطط التنمية وتمويل القطاعات المهمة مثل الصحة والتعليم والبحث العلمى وباقى الخدمات الأخرى.
الرئيس السيسى يدرك خطورة الاستدانة من الخارج و«استسهال» عملية القروض تحت تأثير اعتقاد أو تصور بأن ذلك يؤكد ثقة المؤسسات الدولية المالية فى الاقتصاد المصرى، ويدرك أيضا أن القروض «ناقوس خطر» يدق بشدة محذرا من خطر تراكم الديون التى يتحمل أعباءها الأجيال القادمة، فالدين المحلى وصل إلى مستوى خطير وقارب 2.5 تريليون جنيه ليشكل إجمالى الدين الداخلى والخارجى أكثر من 90% من إجمالى الناتج المحلى لمصر.
المراقبون والخبراء المتابعون لنشاط الوزيرة سحر نصر يشيدون بأدائها فى حدود اختصاصاتها والمهام الموكلة إليها وطبيعة عمل وزارة التعاون الدولى، لكن فى الوقت نفسه، وهذا لا علاقة له بالوزيرة، يبدون تخوفهم وخشيتهم من زيادة الاقتراض ومدى قدرة الدولة على الالتزام بسداد أقساط وفوائد ديونها الخارجية، فالاحتياطى من النقد الأجنبى لدى «المركزى المصرى» انخفض من 36 مليار دولار بعد ثورة يناير 2011، ليصل إلى 17 مليار دولار بنهاية إبريل الماضى، وهو ما يكفى فقط لتوفير واردات مصر الاستراتيجية لمدة 3 أشهر.
ربما المساعدات والودائع الخليجية ستساعد فى الوفاء بسداد الاستحقاقات القادمة، خاصة موعد استحقاق الوديعة القطرية ودفعة نادى باريس بقيمة 1.7 مليار دولار الشهر، لكن هناك أزمة دولار وهذا أمر واقع يحتاج إلى تدابير وإجراءات استثنائية ووعى كامل بمسألة الاقتراض.
المسألة ليست فى الاقتراض رغم خطورته، لكن المشكلة تكمن فى عدم دراسة البدائل وإدارة المخاطر قبل وقوع الأزمات وهو ما يجعلنا نفكر وندرس دائما بدائل أى قروض إذا كانت مناسبة حتى لو كان قرض محطات الضبعة النووية.
الوزيرة سحر نصر هنا تبذل أقصى طاقتها، لأنها تنفذ المطلوب منها لسداد الفجوة التمويلية لمشروعات كثيرة، لكن مطلوب من الحكومة ومن المجموعة الاقتصادية داخل الحكومة أن تنشط وتبذل مجهودا مضاعفا لتحريك عجلة الإنتاج وتنويع الإيرادات وجذب الاستثمارات ووضع رؤية لضمان سداد القروض.
فليس هناك خوف من القروض طويلة الأجل التى تتلقاها مصر لتمويل مشروعات بنية أساسية أو مشروع الدعم النقدى «تكافل وكرامة» الممول من البنك الدولى على سبيل المثال، وإنما التهديد الحقيقى فى القروض قصيرة الأجل التى تستهدف دعم الموازنة أو توفير العملة الصعبة لطلبات الاستيراد.
هنا لا بد أن يستشعر الرئيس السيسى الخطر، فهو قارئ جيد للتاريخ، ومصر لها تجربة مريرة مع القروض الخارجية التى أدت إلى «رهن» قناة السويس وكانت ثغرة لتدخل الدول الأجنبية فى شؤون مصر.
الزمن تغير بالتأكيد، لكن محاولة الهيمنة وفرض السيطرة والتدخل فى شؤون مصر لم يتغير، والرئيس السيسى يعرف ذلك، وتوجيهاته للوزيرة جاءت تفاعلا مع مخاوف الناس من القروض التى تشكل هاجسا للمصريين طول الوقت، لأن الدين همٌّ بالليل وذل بالنهار بالنسبة للمواطن العادى.. فما بالك بالدول؟!