عظيمة هى أمثالنا الشعبية وأعظم ما فيها تتطابق كلماتها مع الأحداث التى نعيشها، وما قاله الأجداد فى الأمثال عن حكاية مصير المال الذى ليس له صاحب الذى تم إبداعه فى كلمات معدودة وهى «المال السايب يعلم السرقة» أو «دا مال الحكومة» وغيرها من التعبيرات والأمثلة التى تعكس كيف يتم التعامل مع المال الذى ليس له صاحب وهو ما حدث مع «مافيا القمح» وهى الفضيحة التى كانت نتاجا طبيعيا لموت الضمير والحلم بالثراء السريع حيث تساقط منذ إعلان توريد القمح إلى الدولة عشرات المتهمين ممن حلموا بالثراء السريع وتلاعبوا فى كل شى بداية من إضافة قمح مستورد بأسعار أقل من القمح المزروع انتهاءً إلى خلط القمح بنباتات أخرى، وهو ما أدى إلى سرقة الملايين من الجنيهات من أموال الدولة أو الحكومة التى اعتبرها لصوص المال العام أنها ليس لها صاحب، وهو ما يبرر فكرة السرقة وهى عادة مصرية خالصة لا ينازعها فيها إلا أشباه الدول التى ليس بها حكومة أو نظام مثل ليبيا أو اليمن أو العراق والتى تم تجريفها من خلال العصابات السياسية التى لا تختلف كثيرا عن مافيا القمح فى مصر، والحقيقة إننى لم أرَ بلدا تنهب أملاكه مثل مصر، وربما يعود السبب إلى تفشى ظاهرة الفساد الإدارى فى المحليات التى كنا فى الماضى نقول إنها وصلت للركب، ولكن بعد 25 يناير 2011 أستطيع أن أؤكد أنها فاقت كل شىء حتى أصبحنا نسبح فى بركة من الفساد والسبب انعدام ضمائر بعض موظفى المحليات، الذين سبقوا مافيا توريد القمح بمراحل وإذا كنا قد نجحنا فى توجيه ضربة كبرى لمافيا القمح فإننا عاجزون عن مواجهة مافيا المحليات التى تنهب بنظام غريب فى كل شىء فى مصر.
ويبدو لى أن كل محافظ لا يقرأ أى دراسات عن الفساد الإدارى والسبب أن هذا المحافظ يُعتقد أنه على صواب، والكل مخطى والنتيجة أننا تحولنا إلى مسؤولين يصمون آذانهم عن كل نصيحة، وآلاعيب مافيا القمح التى نهبت ملايين الجنيهات لا تختلف عن مافيا المحليات وهو ما كشفه اللواء الدكتور أشرف عبد القادر، مدير المباحث الجنائية فى القليوبية، للزميل خالد حجازى من معلومات جديدة تتعلق بأكبر 4 قضايا فساد بصوامع قمح فى القليوبية والاستيلاء على 204 ملايين جنيه وأن إجمالى المتهمين المقبوض عليهم هم 11 متهما قاموا بتسهيل الاستيلاء على المال العام فى قضايا فساد صوامح القمح فى القليوبية، الذين تم حبسهم جميعا لمدة 15 يوما على ذمة التحقيقات وأن جميع المتهمين بالاستيلاء على دعم الدولة والموظفين المتهمين بتسهيل الاستيلاء على قوت الشعب خلال مرحلة اقتصادية تمر بها البلاد، جميعهم تجرى عليهم تحريات سرية عبر الكشف عن حساباتهم وتعاملاتهم البنكية أو مساهماتهم فى مشروعات صناعية أو تجارية لغسيل أموالهم المحرمة وذلك رغم أن جميع أصحاب الصوامع أنكروا التهم المنسوبة إليهم وطالبوا بإعادة وزن كميات الأقماح الموجودة داخل الصوامع وأن عمليات الجرد تحتاج إلى 21 يوما و200 عربية قلاب كبيرة، لافتا إلى أن خبراء القمح حذروا من عمليات استخراج الأقماح المخزنة فى الصوامع حتى لا تتعرض للتلف.
هذه هى قصة مافيا القمح أو مافيا المال السايب وهم مجموعات نهب الوطن وجميعنا نساعدهم فى زيادة نهبهم للمال العام عندما صمتنا جميعا على فسادهم وقمنا بإعطائهم «رشاوى» تحت زعم تخليص مصالح، وهى القاعدة التى تفشت فى كل المصالح الحكومية وأصبحت عبارات مثل «كل سنة وأنت طيب» من مرادفات الحصول على «الرشاوى» بعد اختفاء عبارات «طلع الونجز لو عايز تنجز» وغيرها من عبارات «الرشاوى» التى ظهرت فى الماضى، لم أعد أفرق بين مافيا القمح ومافيا المحليات الكل يركب قطار الثراء السريع الذى يضيع على مصر مليارات الجنيهات التى تنهب بأسماء وأشكال مختلفة فهل من منقذ لهذه الدولة التى لم يعد لها شبيه فى العالم.. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.