قالت وكالة "بلومبرج" الأمريكية إن محاولة الانقلاب الفاشلة التى شهدتها تركيا الجمعة الماضية، تهدد بتحطيم ما تبقى من صورة تركيا كدولة مستقرة تستطيع جذب الاستثمارات وتمويل العجز فى الحساب الجارى لاسيما بعد تورطها فى الحرب فى سوريا والصراع مع الأكراد ومواجهة سلسلة من الهجمات الإرهابية.
ويقول برايان جايكوبسن، كبير الاستراتيجيين فى شركة فارجو فاندس التى تشرف على استثمارات تقدر بـ242 مليار دولار "المسألة لم تعد تتعلق بالأعمال فقط، وغالبا سنرى رؤوس الأموال الأجنبية تفر من الدولة لأن عدم الاستقرار السياسى يخلق المزيد من المخاطر التى لا يحتاجها المستثمرون".
واعتبرت الوكالة أنه بعد عقد من وجود رجب طيب أردوغان فى السلطة، تهدد الاضطرابات بمسح إرثه كرجل ساعد تركيا على قلب الصفحة بعد سنوات من الفوضى، التى بلغت ذروتها فى حدوث تضخم كبير وفشل للبنوك، قبل أن يفوز حزب العدالة والتنمية الذى ساهم فى تأسيسه انتخابات عام 2002.
ويلوم خصوم أردوغان عدم الاستقرار لسعيه لتعزيز سلطته كرئيس أكثر من البرلمان، لأنه يرى أن النظام الرئاسى يخدم مصالح البلاد بشكل أفضل.
وأشارت الوكالة إلى أنه قبل ساعات من إعلان الانقلاب الذى لم يدم سوى ساعات، لم يبد وضع الاقتصاد التركى سيئا، فالأصول مدفوعة بتوقعات استمرار انخفاض مستوى الفائدة العالمى، والتفاؤل بشأن تحركات أردوغان لإصلاح العلاقات الدبلوماسية مع روسيا وإسرائيل، أثرت على ارتفاع الليرة 6%، وأغلق مؤشر البورصة الجمعة على ارتفاع 0.3% ليصل مكاسب العام لـ15%.
غير أن هذه الثقة تبخرت بعد إعلان الجيش الانقلاب على الرئيس التركى، وتراجعت العملة لـ6% مقابل الدولار، بل وتراجعت البورصات العالمية.
ويقول بعض المستثمرين إنهم سيودون أن يرون إلى أى مدى سيتطور الوضع السياسى الآن وإلى أى مدى سيحكم حزب العدالة والتنمية قبضته على السلطة ليمكن أردوغان من تعزيز سلطته.
ويرى بروس ماكين، المحلل الاقتصادى أن محاولة الانقلاب الفاشلة تعنى أن أردوغان سيضطر لإجراء بعض التغييرات السياسية والاقتصادية، وأغلب الظن سيزيد من قبضته على قطاعات الاقتصاد فى الدولة "وسيحكم معارضيه بقبضة من حديد".
وأضاف فى تصريح للوكالة "هذه العملية ربما تكون طويلة المدى، وهذا معناه أن تركيا ستكون منطقة غير جاذبة للاستثمار لعدة سنوات". واعتبرت "بلومبرج" أن تراجع رؤوس الأموال سيقوض تعهد أرودغان بانضمام تركيا إلى أكبر 10 اقتصادات فى العالم بحلول عام 2023، بعد قرن من تأسيس مصطفى كمال أتاتورك للجمهورية.
وأعلن البنك المركزى التركى أنه سيوفر سيولة مالية غير محدودة للبنوك وسيتخذ الإجراءات الضرورية لضمان الاستقرار المالى، وسعى نائب رئيس الوزراء لطمأنة المستثمرين.
بينما قال مصرفى سابق فى بنك "ميريل لينش" الأمريكى على حسابه على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعى "لا حاجة للقلق، تركيا ستعود إلى طبيعتها سريعا بعد فشل محاولة الانقلاب، وأسس اقتصادنا الكلى قوية".
وأشارت "بلومبرج" إلى أنه حتى مع تأرجح معدلات النمو الاقتصادية العالمية، تغلب الناتج الإجمالى المحلى التركى على التوقعات منذ الربع الرابع من عام 2014، بفضل زيادة الإنفاق المدفوع جزئيا بوجود ملايين اللاجئين السوريين، فضلا عن أن الاقتصاد شهد نمو 4.8 % فى أول ثلاثة أشهر من العام الجارى.
ورأى ستيف هوكر، مدير إدارى فى شركة "نيوفليت أسيت" أن المستثمرين ربما يشعرون بالاضطراب عند فتح الأسواق مما قد يساهم فى خلق فرص شراء لمستثمرى المدى الطويل، مشيرا إلى أن استثمارات المدى القصير أغلب الظن ستظل متقلبة.
وتظهر بيانات البنك المركزى كيف تناضل تركيا لجذب المزيد من الاستثمارات طويلة المدى.
ومن ناحية أخرى، رأى المحللون ناز ماسراف وجيمس سوير فى شركة "يوروآسيا" لاستشارات المخاطر السياسية أن المناخ السياسى فى تركيا على وشك أن يصبح أكثر قمعية واستبدادية، مشيرين إلى انه "مع محاولة انقلاب بهذا الحجم، سيصبح المستثمرون الحذرون بالفعل بسبب الأزمات السابقة أكثر تشككا حيال بيئة الأعمال فى تركيا وقدرة الحكومة على الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلى".