أعادت أحداث ميونخ الألمانية، أمس الجمعة، العمليات المعروفة باسم "الذئاب المنفردة" إلى الأذهان، التى أعلن عنها تنظيم داعش الإرهابى منذ ما يقرب من عام ونصف العام، ومع تكرار هذه العمليات خلال الآونة الأخيرة، فى فرنسا ومدينة أورلاندو الأمريكية، وأخيرا فى مدينة ميونخ الألمانية، كشف خبراء فى الشأن الإسلامى عن ماهية الذئاب المنفردة، موضحين أنها عبارة عن تنفيذ شخص بمفرده عملية إرهابية بدون مشاركة من التنظيم المنتمى إليه، كقيامه بإطلاق النار على تجمعات من الناس أو تفجير نفسه.
وقال الدكتور كمال حبيب، الخبير فى شؤون الحركات الإسلامية، إن الأحداث التى شهدتها مدينة ميونخ الألمانية ستكون لها آثار سلبية للغاية على المهاجرين لألمانيا والمسلمين هناك.
وأضاف "حبيب" أن ميونخ ثالث أكبر مدن ألمانيا، تواجه عملا إرهابيًّا لم يُعرف منفذوه بعد، والذى أسفر عن قتل 11 شخصا وجرح أعداد كبيرة بإصابة خطيرة، وهؤلاء لا يقلون عن عشرة، والشرطة الألمانية تدعو للتريث فى مسألة توجيه الاتهام، بينما تقول المعلومات إن المهاجمين هاجموا مقهى فى مركز الأولمبياد التجارى، وتشير المعلومات أيضًا إلى أن المهاجمين ثلاثة غادروا المركز التجارى وظلوا يطلقون النار فى الشوارع، وهو ما أثار فزعا كبيرا".
وتابع حبيب: "ميونيخ معزولة تماما، والشرطة وجهت المواطنين للبقاء فى المنازل، ويبدو العمل مخطّطًا له ضمن شبكة أشبه بالعمليات التى تمت فى باريس فى نوفمبر 2013، وفى بلجيكا من بعدها، وهى أكبر من مجرد عملية صغيرة لذئب منفرد، هناك شبكات إرهابية لا تزال تعمل عبر أوروبا، التى تعد ساحة الآن للإرهاب الذى يسبق أجهزة أمنها جميعا بخطوات، بحيث لا يبدو الأمن قادرًا على استباق الإرهابيين أو حتى السير بنفس قدرتهم".
واستطرد حبيب: "حكاية قتل أحد المهاجمين لنفسه تجعلنى أرجح أن يكون العمل إرهابيًّا داعشيًّا، فمسألة الإقدام على الانتحار هى إحدى التوصيات الموجودة لدى شبكات التنظيم، إننى آمل ألا يكون أحد من المهاجرين أو المسلمين متورطا فى الموضوع، لأن ذلك ستكون له نتائج كارثية على المهاجرين لألمانيا والمسلمين هناك بشكل عام".
من جانبه، قال هشام النجار، الباحث الإسلامى، إن ما حدث فى مدينة ميونخ نوع من أنشطة الذئاب المنفردة، ولكنه نشاط لا ينبغى إلصاق جميع الجرائم به قبل التثبت، والتأكد يقينًا من انتساب مرتكبى العملية فكريًّا ومنهجيًّا للتنظيمات الإرهابية، فهناك تحرك مضاد داخل المجتمعات الأوربية، يحمل الصبغة القومية واليمينية، ويسعى لتحفيز السلطات وإجبارها على اتخاذ إجراءات أكثر حسمًا مع الجاليات المسلمة، بتعميم توصيف الإرهاب والتوجس من كل كيان إسلامى موجود بالغرب.
وأضاف "النجار"، أن دوافع داعش والقاعدة لضرب العمق الغربى حاضرة ومعروفة، خاصة بعد رؤية داعش دولتها الحلم تنهار فى سوريا والعراق، والرغبة العارمة فى الثأر داخل الدول الغربية، لكن لا يعنى ذلك أن كل حادث يقف وراءه أصوليون إسلاميون، فقد يكون مدبّرًا لإجبار الحكومات الغربية على تصفية الوجود الإسلامى فى الغرب، أو على الأقل التضييق عليه.
وتابع الباحث الإسلامى تصريحه بالقول: "داعش كما بدأ وتأسس بتفجيرات استعراضية يعلن بها عن نفسه ونهجه ودمويته فى العراق، فهو ينتهى اليوم ويغطى على زوال دولته الدينية المزعومة وانهيارها بتفجيرات استعراضية دموية ثأرية داخل عمق الدول، التى يراها قد ساهمت فى القضاء على دولته وستستمر تلك التفجيرات ما دامت الأوضاع فى المنطقة العربية مضطربة وطالما الأمور فى تركيا وسوريا والعراق على وضعها غير المستقر الداعم لتمرير الإرهاب الثأرى إلى أوروبا".
بدوره، قال ماهر فرغلى، الباحث فى شؤون التيارات الإسلامية، إن الذئاب المنفردة، عبارة عن تنفيذ شخص بمفرده عملية إرهابية بدون مشاركة من التنظيم المنتمى إليه، كقيامه بإطلاق النار على تجمعات من الناس أو تفجير نفسه، مضيفا: "مصطلح الذئاب المنفردة أو المتفردة أو الذئاب المتوحدة، هى مسميات أجنبية، ولكنها فيما بعد أطلقت على الإسلاميين الذين ينفذون مثل هذه العمليات".
وأضاف "فرغلى" فى تصريحات لـ"برلمانى": "دعا أبو مصعب السورى القيادى فى تنظيم الطليعة إلى ما يسمى جهاد الفرد وتشكيل خلايا فردية، نظرا لأنه يصعب مراقبتها من قبل الأجهزة الأمنية، فضلا عن أنها لا تؤثر على التنظيم حال تنفيذ العملية أو إلقاء القبض على الفرد الذى من المفترض أن ينفذ العملية".
وتابع: "عمليات الذئاب المنفردة تحقق نجاحات كبرى للجماعات المتطرفة، وتعتبر من أهم الاستراتيجيات التى بدأ تنظيم داعش فى الاعتماد عليها، فالتنظيمات الإرهابية تنجح فى ضم شباب لها، سواء عن طريق الفضاء الإلكترونى، وسرعان ما تقنعه بتنفيذ عملية إرهابية بطريقة الذئب المنفرد".
وقال "فرغلى": "هناك عوامل تشرعن هذه العمليات، سواء البيانات التى صدرت عن علماء الإخوان مؤخّرًا، وحملت بيان نداء الكنانة، أو الكُتب التى صدرت سابقا لقيادات التنظيمات الكبرى، مثل كتاب أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة، الذى حمل عنوان ريح الجنة"، متوقعا حدوث مثل هذه العمليات فى عدد من الدول خلال الفترة المقبلة.