"عروس الصعيد" هكذا كانت تُلقب محافظة المنيا، لما لها من موقع متميز فى قلب الصعيد، قبل أن تتحول فيما بعد لبؤرة لأى خلاف يدب فى صفوف مسلميها ومسيحييها مثلما حدث مؤخرًا.
الواقعة التى شهدتها المحافظة فى الأيام القليلة الماضية الخاصة بقرية أبو يعقوب التابعة لمركز المنيا، والتى نتجت عن شائعة تم ترويجها بشأن تحويل منزل تحت الإنشاء لكنيسة مما أسفر عن إضرام النيران فى ثلاثة منازل وإحراقها لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقتها وقائع أخرى من بينها ما حدث فى مايو الماضى بقرية الكرم بأبو قرقاص بالمحافظة نفسها، عندما تم تجريد سيدة مسنة من ملابسها وحرق سبعة منازل، وذلك أيضًا بعد ترويج شائعة مفادها وجود علاقة بين نجلها المسيحى وفتاه مسلمة.
كذلك الواقعة التى شهدتها قرية طهنا الجبل، بعدما وقعت مشاجرة بين عائلتين إحداهما مسلمة والأخرى مسيحية أسفرت عن مقتل قبطى وإصابة اثنين آخرين، وكان السبب الرئيسى فيها مشادة كلامية بين طفل صغير وبرفقته 3 أطفال آخرين، مع بضعة أطفال أقباط أدت لوقوع كارثة فى النهاية.
هذا كله بخلاف ما حدث فى قرية كوم اللوفى التابعة لمركز سمالوط بسبب بناء أحد أبناء القرية عقارات مخالفا، وتم ترويج شائعة وقتها بأنه سيتم تحويله إلى كنيسة مما أثار حفيظة وغضب أبناء القرية فتجمع ما يقرب من 300 مواطن أمام المنزل المخالف، وقام بعضهم بإشعال النيران فيه، وكذلك الاشتباكات التى شهدتها قرية الجلاء بمركز سمالوط بين مسلمين ومسيحيين أسفرت عن سقوط 9 جرحى على الأقل، بسبب قيام عدد من الصبية برشق سيارة تقل عددا من الطالبات المسيحيات.
جذور المشكلة
وعلى الرغم من الوقائع السابقة إلا أن هناك تقريرا صادرا عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عام 2009 جاء ليؤكد على أن محافظة المنيا تعد مركزا رئيسيا للعنف الطائفى، سواء كان هذا مرتبطًا ببناء الكنائس أو إقامة الشعائر الدينية للمسيحيين، أو على خلفية شائعات بشأن علاقات عاطفية بين مسلمين ومسيحيين، هذا بخلاف التقرير الصادر عن بعثة تقصى الحقائق فى المركز القومى للسياسات العامة والصادر فى سبتمبر 2013، وأكد على أنه منذ فض اعتصامى رابعة والنهضة كثرت أحداث الفتنة الطائفية فى محافظة المنيا تحديدا بسبب اتهامات الجماعات الموالية لتنظيم الإخوان للمسيحيين هناك بأنهم شاركوا فى إسقاط الرئيس السابق محمد مرسى.
هذه التقارير وغيرها من حالات الرصد تعكس حالة واحدة وهى تأجج الوضع فى تلك المحافظة بين الحين والآخر فى تلك البقعة تحديدا، وشائعة واحدة كفيلة بأنها تتسبب فى ضياع محافظة بأكملها، وتعكس تبدل الحال الذى بات يعانى منه مواطنيها فمحافظة المنيا التى احتضنت عددا من رجال الدين المستنيرين، قامات الأزهر الشريف مثل الإمام الفولى، الشيخان مصطفى وعلى عبد الرازق، حسن الواوى بخلاف الإمام القرطبى، الإمام القرافى والشيخ الداروطى لا تتردد أخبارها مؤخرا فى وسائل الإعلام إلا للحديث عن وقوع فتنة طائفية فيها.
الأسباب
"توغل الفكر المتطرف فى المجتمع المنياوى، وعدم وجود عقوبات قانونية رادعة" أسباب من وجهة نظر النائبة مارجريت عازر وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، تقف وراء تكرار تلك الحوادث فى محافظة المنيا، قائلة: يجب أن نتوقف أمام المشهد الذى يتجدد باستمرار فى تلك المحافظة، خاصة وأن 60% من الانتهاكات التى تحدث تكون هناك، بالتالى يوجد شيئا ما غير فى طبيعة ثقافة المجتمع أو أن بعض القيادات التى تولت المنيا لم تكن على القدر الكافى من المسؤولية وهذا كله قد يخلق احتقانا، خاصة أن كل الأحداث دائرة فى محورين أما بناء كنيسة وهذا الأمر لا يتعارض مع سماحة الدين الإسلامى فى شىء وغريب على الثقافة المصرية، أو شائعة مفاداها وجود علاقة عاطفية بين شاب وفتاة هذا كله بخلاف الخطاب الدينى والذى قد يكون غير دقيق.
وتضيف: الجرائم التى يتم ارتكابها يكون أساسها شائعة ونظرا لعدم تطبيق العقوبة بشكل صارم وحازم أصبحت الأمور سهلة ومتكررة.
أما الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر، فيقول الأحداث الطائفية ليست ظاهرة فى مصر بل هى فى مجملها أحداث فردية، وأصحاب التنازع أو المشاحنات يتعاملون مع بعضهم دون النظر إلى الديانة فى ظل وجود حواجز نفسية، وهناك شحن يكثر فى المناطق الشعبية حيث الجهل وغياب الوعى والحالة الاجتماعية المتردية من فقر وبطالة، وغياب مؤسسات معنية بالوحدة الوطنية خاصة وأن الأمر الطائفى برمته مسؤولية الأمن الوطنى مثل الإرهاب والتطرف وهذا خطأ لأن من المفترض أن تكون هناك تدابير وقائية للوعى السليم والعقوبات الرادعة، أما جلسات الصلح العرفى فأمر لا يليق بالدستور والقانون وتنظيم اللقاءات الإعلامية بين رموز إسلامية ورتب كنسية لا تحل مشاكل.
ويضيف، تداركا لهذا الأمر عقدت لقاء فى أمانة الإخاء الدينى بمؤسسة التآلف بين الناس وأصدرنا كتابا بعنوان "أهل الكتاب فى التشريع الإسلامى" صححنا فيه المفاهيم المغلوطة للسلفية وقود الفتنة الطائفية فى مصر، بالإضافة إلى مؤتمر مرتقب مقرر عقده مع علماء الاسلام ورتب كنسية فى شهر أغسطس لنشر الوعى فى أوساط شعبية بلقاءات مشتركة لإزالة الحواجز النفسية التى اصطنعت منذ عهد الرئيس السادات لما تنامت الجماعات المتطرفة.
ويتابع: لا يوجد خطاب دينى بالمرة فالأزهر حائر ووزارة الأوقاف متعثرة ويجرون الدولة إلى قضايا فرعية من عينة تصحيح صورة الإسلام ومواجهة فزاعة المد الشيعى وخطبة الجمعة المكتوبة وجميعها أشياء هامشية لا تمس صلب واقعية الخطاب الدينى، وفى رأى المسئول الأول عن هيكلة الخطاب الدينى وتلك المؤسسات هو النظام السياسى.
وعلى الجانب الاجتماعى كان للدكتور أحمد زايد عميد كلية آداب جامعة القاهرة سابقا رأيا مغايرا، إذ يقول إنه لا يمكن استبعاد المنيا والتعامل معها بشكل منفصل فما ينطبق عليها ينطبق على غيرها من المحافظات التى تشهد أيضا وقائع فتنة، لكن تلك الأحداث تتكرر بهذا الشكل فى الأولى بسبب كثافة سكانها المسيحيين ومستوى البطالة والفقر وانخفاض الوعى الدينى وفهم الدين بطريقة خاطئة، بالإضافة إلى شريحة كبيرة من الشباب المتعلم الذى يعانى من الفراغ يصبح أكثر عرضة للاستقطاب من أصحاب الرأى المتطرف فى الفريقين.
وأضاف، بعض الشباب اكتسب معلوماته الدينية من صور الوعظ غير الحقيقية التى قادتها الجماعات المتطرفة دينيا والبعيدة تماما عن فكرة المجتمع أو المواطنة ومن المستحيل أن نجد المواطن البسيط المنشغل بأرضه أو العامل الساعى للقمة العيش ليل نهار يدافع أو يتبنى أفكار متطرفة.