أكثر من 1000 ممثل يتقاضون رواتب شهرية من الدولة مقابل تقديم عروض مسرحية على مدار العام، إلا أن غالبية هؤلاء الممثلين لا يقدمون أى عروض، لأسباب أكبر، منها ما يتعلق بمدى الإهمال الذى تعانى منه عديد من المسارح فى مصر.
مسرح الفردوس بلا أى تطوير
ذاكرة المسرح المصرى شهدت أكثر من حالة تراجع، أهمها فى أعقاب النكسة عام 1967، وكذلك التراجع فى أعقاب الأزمة الاقتصادية التى شهدتها مصر فى أوائل ثلاثينيات من القرن الماضى، لكن فى الحالتين كان هناك دعم من الدولة للارتقاء بالمسرح مرة أخرى، أما التراجع الاخير تمثل فى ابتعاد نجوم المسرح عنه، كالفنان عادل إمام والفنان محمد صبحى، إذ لم يعد الاهتمام بالمسرح والإقبال عليه ضمن عقيدة المواطن المصرى، ومع ذلك لا يمكن إنكار أن بعض التجارب المسرحية مؤخّرًا قد لاقت إقبالاً من الجمهور، كمسرحية 1980 وانت طالع ومسرحية ألف ليلة وليلة.
مسرح الفردوس يعانى من الإهمال
جولة ميدانية لـ"برلمانى" بين عدد من المسارح كانت نتائجها أن هناك مسارح ترقد فى غيبوبة تامة، بينما تصارع أخرى من أجل البقاء، وذلك أما بالاعتماد على نجم مشهور لجذب الجمهور أو تجارب شبابية جديدة غردت خارج الصندوق، "مسارح فى غيبوبة" اللافتة التى وضعتها الحكومة عليه، تقول إن اسمه "مسرح الفردوس"، إلا أنه فعليًّا لم يصبح جنة للفردوس بل بيتًا مهجورًا تكسوه الأتربة ويعيش فيه العنكبوت والحشرات، وتتنشر فيه القمامة، ولكى تجد من يجيب على أى تساؤل حول المسرح كان لا بد من الذهاب إلى بائع حلوى فى الكشك على الجهة المقابلة له، والذى قال: "المسرح مقفول منذ رحيل الفنان محمد صبحى عنه".
"الستار لا يفتح"، هذا هو الحال فى مسرح السلام الذى يقف فى شارع القصر العينى محتفظاً بإعلانات مسرحية "غيبوبة"، آخر عمل تم عرضه عليه، السبب فى إغلاقه يعود إلى قرار هيئة الدفاع المدنى بإغلاقه لعدم أهليته لاستقبال الجماهير، لأنه غير مطابق لمواصفات الأمن الصناعى منذ أكثر من عام.
الإغلاق عنوان مسرح البالون الواقع على كورنيش النيل، ووفقاً لأحد موظفى الأمن الذى طلب عدم الافصاح عن اسمه، فإن المسرح مغلق منذ عام ولا يعلم متى سيعاد فتحه.
فى منطقة العتبة ينتشر الباعة الجائلون إلى جانب أسوار المسرح القومى، والذى أعاد فتح ستاره مرة أخرى بمسرحية ألف ليلة وليلة، التى حققت له أعلى إيرادات فى تاريخ المسرح، نظرًا لأن المسرحية بطولة الفنان يحيى الفخرانى، ما يعنى أن هناك أملاً لعودة المسرح من جديد.
جيل الشباب عايز مسرح منذ أكتوبر 2014، بدأ مجموعة من الشباب على رأسهم الممثل المسرحى على قنديل، بإطلاق حملة "عايز مسرح"، مطالبين الدولة بتسليمهم المسارح المهجورة لإعادة الروح لها، وتحقيق عائد مادى، من خلال تقديم مهرجانات لفرق المسرح فى الجامعات ومهرجانات مسرحيات الشخص الواحد، ومهرجانات مسرحيات الديو دراما، ومسرح الطفل، ومسرح العرائس، وحفلات ستاند آب كوميدى وحفلات غنائية وورش التعليم والتدريب على فنون كثيرة منها "الموسيقى، والرسم، والتمثيل والستاند آب كوميدى"، وحفلات توقيع كتب وندوات شعرية وأمسيات ثقافية.
الحملات الشبابية الداعية لعودة الروح للمسرح، يقابلها تجربة حية حققت نجاح على مدار عام ونصف العام، ففى الأزبكية يقف مسرح الهوسابير، والذى عرف قديماً باسم ابرز النجوم الذين تألقوا على خشبته، "ثلاثى أضواء المسرح"، والآن يشهد حالة من الزخم على أيدى جيل من الشباب يقدمون عليه مسرحية 1980 وأنت طالع.
ويقول محمد جبر مخرج المسرحية لـ"برلمانى"، إن الجمهور هجر المسرح قديماً لأن المحتوى الذى يقدم لم يكن مناسباً له واتجه المسرح فى فترة من تاريخه الى الشكل الأكاديمى وهو ما يصعب على الجمهور فهمه، فضلاً عن توقف القطاع الخاص عن دعمه.
"نجاحنا يعود لبساطة ما نقدمه"، هكذا واصل جبر الحديث، مؤكداً أن الجمهور فى مصر منقسم إلى نوعين الأول يتجه إلى المضمون والثانى يتجه للنجم، مؤكداً أن المسرح فى مصر يفتقر الانتاج، وأن السينما أخذت كل انتباه المنتجين والفنانين ولا يستطيع النجوم الكبار تقديم مسرحية لأن تكلفتها ستصل إلى مبالغ ضخمة وهذا سينعكس على سعر التذاكر.
النجوم وسيلة جذب للجمهور
يقول جمال حجاج مدير العرض بالمسرح القومى، أن وجود نجم كبير على خشبة المسرح القومى كالفنان "يحى الفخرانى" يعتبر أهم وسيلة لجذب الجمهور، مؤكداً أن التحدى الذى يواجه المسرح فى الوقت الراهن هو أن الجمهور يستطيع وهو فى منزله أن يشاهد ما يريد من خلال التلفزيون أو الإنترنت، والجمهور لا ينزل من بيته إلا إذا كان هناك عرض جيد يستحق، وفى الوقت نفسه أغلق القطاع الخاص مسارحه لأن أجور الفنانين كبيرة فى مقابل عدم وجود إقبال كبير من الجمهور.
واختتم حديثه مؤكداً أن المسرح القومى يحتاج الآن إلى نظرة من محافظة القاهرة ووزارة الداخلية ومجلس الوزراء لمواجهة ظاهرة الباعة الجائلين التى تحاصر مبنى المسرح.
مسرح السلام يعيش فى "غيبوبة " منتصر شوقى مدير دور العرض فى مسرح الهوسابير، أكد أن العروض الشبابية حققت نتائج جيدة الفترة الماضية، خاصةً إذا كانت هذه العروض ذات طابع سياسى.
وفى مسرح النهار التقينا أسامة فتحى مخرج مسرحى، والذى قال أن غياب التربية المسرحية فى المدارس ومراحل التعليم الأساسى الآن أثر على المسرح، فمعظم النجوم كانوا أبطال على مسرح الجامعة، مشيراً إلى أن مسرح النهار يحاول المحافظة على المحتوى إلى جانب تقديم مسرح يحقق ربح من خلال الشراكة مع النهار".